انتهت جولة الانتخابات المكررة وفتحت اسرائيل صندوقها الذي كان الحاوي نتنياهو يأمل أن يخرج منه أرنب الحكومة لكن الأرنب كان ميتا إلى حد ما كما الجولات السابقة ولم تختلف كثيرا النتائج رغم احتفالات الفوز في معسكر الليكود وطقوس الحزن في معسكر الجنرالات.
فاز نتنياهو لكنه فوزا كسيحا ابقاه على مسافة من الحكومة التي كشفت بوضوح الجولتان السابقتان شروط تشكيلها التي يعرفها كل من تابع ماذا حدث وتابع الاستعصاء الذي تكرر وشروط الأحزاب والكتل التي تقف بالمرصاد لأن كل منهم أراد إفشال الآخر وقد فشلوا أو أفشلوا بعضهم مرتين لذا فإن التحليل المنطقي هو بتكرار السيناريو رغم حالة الفرح هنا والحزن هناك لكنها نفس العقدة.
عقدة نتنياهو الذي يريد حكومة يمين فقط، وعقدة جانتس الذي يقبل وبالتحالف مع نتنياهو بلا الأحزاب التي تدور في فلكه، لأن غانتس ونتنياهو تمكنا من جمع سبعين مقعدا فلماذا يقبل غانتس بالآخرين، وعقدة ليبرمان وقانون التجنيد وصراعه مع المتدينين، وعقدة المتدنيين القومين الذين يعيشون نشوة القوة وأنهم قاب قوسين وأدنى من الحكومة، وعقدة الجميع بإبعاد العرب.
كل تلك العقد التي حالت دون تشكيل حكومة لمرتين، بل أن جزء منها هو الذي أسقط آخر حكومة وانتخابات الاثنين لم تحمل كثير من التغيير جعلت نتنياهو أقرب بالمعنى العددي ولكنه لا زال بعيدا بمعنى التوازنات وبالتالي بدأت السيناريوهات منذ لحظة اغلاق الصناديق بشكل أكثر حيوي عندما تم اكتشاف أن نتنياهو يحتاج فقط إلى مقعدين اثنين وليس إلى حزب ولكنهما المقعدين الأكثر أهمية في تاريخه السياسي والشخصي والمقعدان الأكثر أهمية بالمعنى السياسي لإسرائيل وخططها.
هل يمكن أن يستقطب نتنياهو عضوي كنيست من أحزاب أخرى؟ السؤال الأكثر أهمية في الصحافة الإسرائيلية ليعبر نتنياهو البحر أمنا، وقد بدأت الاشارات باتجاه عضوة الكنيست من حزب غانتس "عوميرنيكلوفيتش" على أمل انشقاقها مستغلين حالة الحزن في معسكر غانتس وتحت التهديد بنشر مكالمة محرجة لها يقول رجال الليكود أنها كانت تتحدث مع المستشار الاستراتيجي لحملة أزرق أبيض" يسرائيل باخر" وسقط منها تعبيرات عن عدم أهلية غانتس لقيادة إسرائيل هذا التسجيل على نمط رجالات المافيا فهل ستخضع للابتزاز؟
وإذا ما خضعت تبقى حاجة نتنياهو لمقعد آخر والحديث يدور عن
"أورلي أبي قسيس "من تحالف العمل غيشر وخاصة أنها يمينية متطرفة كانت في حزب ليبرمان وهي أقرب لتحالف نتنياهو بالمعنى السياسي لذا بدأ غزل قادة حزب الليكود باتجاهها وعرض وزارة الصحة كرشوة وثمن لانشقاقها ولكن إذا لم يتمكن الليكود أو فشل في استقطاب الاثنتين أو واحدة منهما هذا يعني أن المشكلة قائمة وستشهد محاولات ومفاوضات على الأغلب لن تفضي إلى نتائج كما السابق وتفتح الخيار على انتخابات رابعة كأحد السيناريوهات لم تختلف هذه الجولة عن الجولتين السابقتين سوى أنها أضافت خيار الانشقاق كسيناريو يمكن أخذه بالحسبان ولكن كل شيء بقى كما هو ويفتح على نهايات تشبه النهايات التي سبقتها إذا ما ابتعدنا عن خيار الانشقاق هذا وهو احتمال وارد وإن كان ليس بتلك القوة لكنه قائم لا يمكن تجاهله بناء على الحملة التي يشنها أعضاء الليكود الذين أثبتوا أنهم الأكثر قوة في إدارة الحملات ولكن هل تحتمل اسرائيل انتخابات رابعة ؟ أغلب الظن أنها لن تحمل ذلك وبالتالي هذا جديد لم يكن مطروح ببد الانتخابات الثالثة .
القائمة العربية التي تقدمت هذه المرة ستبقى كما هي على هامش السياسة ولن تؤثر بعكس ما يريد الكثيرون فالنظام السياسي يتصارع في اسرائيل ولكنه موحد الرؤية حين يتعلق الأمر بالعرب بل ربما أن هذا الفوز سيجعل المؤسسة تفكر في كيفية تحجيم هذا الصعود اللافت لكنها ليست قبل أن يتمم الاجهاز على القضاء إذا ما نجح نتنياهو لأن حبل المشنقة القضائية يلتف حول عنقه وتلك أولويته الآن.
بكل الظروف النتائج لم تعط صورة واضحة حيث تتشابه كل السيناريوهات الضعيفة إلا سيناريو حكومة مشتركة يكاد يكون الأضعف ولكن على الطريق نحن أمام أولى جلسات محاكمة نتنياهو وهذا قريب وللمصادفة يكون يوم تسليم كتاب التكليف ، صحيح أنها ستأخذ وقت طويل فمحاكمة ليبرمان استمرت اثنا عشر عاما قبل أن بحصل على البراءة ربما لن تطول محاكمة نتنياهو لكنها تزيد من السيناريوهات ما يجعل الأمر أكثر تعقيدا لنراقب ما يحدث هناك...!