- القسام: استهداف موقع عسكري إسرائيلي شرق خان يونس بمسيرة الزواري الانتحارية
ليس هناك ما هو جديد في تحقيق صحيفة هآرتس الذي أجراه ينيف كوفوفيتش وآخرون ونشر بالأمس عن شهادات جنود وضباط من جيش إسرائيل يتعمدون قتل المدنيين والأطفال بعشوائية واستهتار، بل بنوع من المتعة والتنافس بين الفرق في قتل أكبر عدد ممكن.
يشير التقرير الذي تركز على خط نتساريم الذي أقامته إسرائيل وفصل قطاع غزة إلى نصفين بعرض سبعة كيلومترات أنها بعد المنشآت العسكرية التي أقامتها وضعت خطاً وهمياً لا يعرف عنه الفلسطينيون أي شيء، وأن كل من يجتازه يتم قتله برصاصة في الرأس كما قال أحد الشهود من الجنود، بل بوابل من الرصاص كما قال آخرون. وتقول الشهادات أنه حدث أكثر من مرة أن أطلقت النار على مدنيين ليكتشف الجيش أنهم مجموعة من الأطفال لكن الناطق العسكري دانيال هاجاري يعلن أنهم قتلوا خلية من المقاتلين، هكذا الأمر بكل بساطة...!
التقرير الذي يفترض أن يكون صادماً ليس مفاجئاً على الإطلاق، فهذا ما حدث في كل الحرب وفي كل الشوارع والمدن والبيوت، ولا يضيف أي معلومة جديدة عندما يقول أن بيوت المطلوبين تظل أهدافاً حتى بعد قتلهم لا يتم رفعها من القائمة ليتم القضاء على كل من يكون فيها. فمن يتابع الحرب يعرف أن ما يحدث هو عملية إبادة جماعية، وتلك تشمل وتحوي كل أشكال سحق المدنيين، ولكن التقرير يعترف أيضاً بأن الخط الوهمي المرسوم لا يستطيع الوصول إليه أحد، وبالتالي من يتم قتلهم تترك جثثهم للكلاب، هكذا يستمتع الجيش الإسرائيلي بالمشهد.
في ظروف طبيعية يفترض أن تقريراً كهذا سيحدث هزة في إسرائيل، ولكن المجتمع الإسرائيلي لم يرف له جفن بعد أن نجحت وسائل الإعلام الإسرائيلية في عملية مسح دماغ للإسرائيليين جميعاً، ولم تعرض حتى اللحظة صورة أشلاء طفل فلسطيني، ونجحت في إشاعة أجواء الذعر والرغبة بالانتقام وتهييج المشاعر.
بالنسبة للفلسطينيين، فهذا التقرير يعتبر أقل كثيراً مما حدث ويحدث، وربما يركز على منطقة معينة وهي خط نتساريم، كأن اسرائيل لم ترتكب في باقي المناطق مجازر أكثر وحشية. فماذا عن الشجاعية وقتل أربعمائة مواطن في ضربة واحدة؟ وماذا عن جباليا في المرات التي اجتاحتها إسرائيل؟ وماذا عن رفح التي يتم مسحها؟ وماذا عن خان يونس التي تمت إبادتها بسكانها بحجة تواجد قيادة حماس هناك، ثم تكتشف إسرائيل أن قائد حماس كان في رفح؟ وماذا عن هدم المستشفيات وقتل المرضى؟ وماذا عن العائلات المكدسة في البيوت متعددة الطوابق الهاربة من جحيم الطائرات «مذبحة عائلة أبو النصر أباد جيش اسرائيل خلالها 136 مدنياً» وكيف قتلت إسرائيل خمسة وأربعين ألف مواطن ثلثاهم من الأطفال والنساء، وعشرة آلاف تحت الأنقاض أيضاً ينسحب عليهم ما ينسحب على العينة الكبيرة من النساء والأطفال، وماذا وماذا وماذا؟
فهل كنا بحاجة لتحقيق هآرتس كي نكتشف هول الجريمة؟ هذه التقارير مهمة عندما تكشف عن أشياء جديدة ومفاجئة وصادمة، لكن عندما تتناول جزءاً صغيراً من ظاهرة كبيرة فهذا مساهمة في التعمية على الحقيقة، وليس إضاءة الحقيقة، بل ممارسة الخداع أو محاولة للتخفيف من وطأة الجريمة.
لكن على نمط عينة التوحش الأكثر بشاعة في القرن «وشهد شاهد من أهلها» لأن اسرائيل وحتى بعد كل ما ارتكبته من فظائع مازالت تصدق أن جيشها أخلاقي.. تصوروا ؟ لا.. وبل «الجيش الأكثر أخلاقية في العالم». ويشهد رئيس أركان سابق ووزير دفاع سابق هو موشيه يعلون بأن الجيش «الأكثر أخلاقية» يقوم بعمليات تطهير عرقي في منطقة شمال قطاع غزة، لتثور ضده كل المخيلة الإسرائيلية العامة التي لم تنظر لمرآة نفسها كحالة ظهرت بالبث الحي والمباشر أنها الأكثر عنفاً وإرهاباً.
هل ستنجو إسرائيل من العقاب؟ تعيش إسرائيل الآن عصرها الذهبي، وهي تعيد فك وتركيب الشرق الأوسط كما تريد، وتحتل غزة وأجزاء كبيرة سورية وبعضاً من لبنان، وقد وزعت نيرانها على كل الشرق الأوسط «نيرانها أميركية الصناعة والدعم طبعاً» ويقول صحافيون في اسرائيل أن «نتنياهو حقق أكثر مما كان يحلم» وقد نكون أمام تفوق عسكري إسرائيلي لسنوات، لكن ما لم ترَه بعد أنها فقدت رصيدها الأخلاقي، وتلك فواتير أشد فداحةً حين يأتي وقت سدادها ستعرف أنها عاجزة عن السداد. حينها ستفهم حكمة التاريخ بأن الإمبراطوريات قبل انهيارها لا بد أن تشهر إفلاسها الأخلاقي كمقدمة، وهذا ما قاله قبل عام وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن حين أشار لهزيمة إستراتيجية، فقد كان يقرأ التاريخ.