- جيش الاحتلال ينسف منزلاً بجوار برج عوض بحي الجنينة شرقي مدينة رفح.
تستمر فصول حرب المقاومة والرد عليها بحرب الإبادة والتدمير الإسرائيلية بدون نهاية حاسمة. ثمة فرق بين ما يتم الإعلان عنه كأهداف للحرب وما يجري التفاوض عليه. فأهداف الحرب المعلنة إسرائيلياً: فرض شرق أوسط جديد يضم دول الاعتدال العربي والإسلامي، وتصفية المقاومة الفلسطينية واحتلال القطاع وإدامة احتلال الضفة وضمها، وتصفية القضية الفلسطينية. أما الأهداف الإسرائيلية في لبنان فهي هزيمة حزب الله عسكرياً وتجريده من السلاح وانسحابه الى ما بعد الليطاني. من أجل ذلك، اعتمدت حكومة نتنياهو حرب الإبادة والتدمير في فلسطين ولبنان، والعقاب الجماعي الذي يطال شعوباً ودولاً ومؤسسات وأفراداً في أنحاء العالم بزعم معاداة السامية، واحتكمت لغطرسة القوة ولأيديولوجيا دينية متعصبة، وقد اشتهرت هذه الحكومات بعدائها للقانون الدولي والشرعية الدولية، وبتنكرها لكل الحلول السياسية الدولية والعربية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واعتمادها الحل الفاشي – التطهير العرقي – كحل وحيد للقضية الفلسطينية. وكان من شأن الاحتلال المزمن القائم على الحل الفاشي العنصري، خلق وقائع استعمارية معززة بثقافة النهب والتمييز العنصري من جهة، وخلق تحولات رجعية داخل المؤسسة والمجتمع الإسرائيلي أفضت الى صعود الكهانية وتدفيع الثمن وشبيبة التلال الاستيطانية وجماعات الهيكل وغيرها من المنظمات العنصرية المتطرفة. ولم يسلم المجتمع الفلسطيني من التحولات جراء إخضاعه لاحتلال عسكري - اكثر من 95% من الشعب الفلسطيني لا يعرف في حياته غير احتلال لا يرحم-. بمرور الوقت أقنعت سياسات وممارسات حكومات نتنياهو الأكثرية المطلقة من الشعب الفلسطيني باستحالة الحل السياسي، وبالبحث عن بدائل، فوجدها في حركة حماس والجهاد الإسلامي وإيران. ولم تستوعب وما تزال حكومة نتنياهو تُنكر وترفض العلاقة بين سياساتها العدمية الإذلالية وهجوم 7 أكتوبر والتأييد الشعبي الذي حظي به، وقد قادها الإنكار الى إعلان حرب الإبادة والتدمير والانتقام التي استباحت حياة البشر وحاجاتهم للماء والطعام والدواء والبيوت والمدارس والمستشفيات، حرب وحشية حرقت الأخضر واليابس وكل تفكير بالتعايش والحل.
حرب الإبادة لم تحتملها شعوب وأكثرية دول العالم، وقد قوضت ما هو مشترك بين إسرائيل وشعوب ودول العالم، ما دفع محكمة العدل الدولية لاتخاذ مجموعة من الأوامر الاحترازية لوقف حرب الإبادة، ودفع محكمة الجنايات الدولية لإصدار مذكرات اعتقال المسؤولين عن حرب الإبادة رئيس الحكومة نتنياهو ووزير حربه غالانت. ولا شك في أن قرار الجنائية الدولية باعتقال ارفع رمزين لدولة الاحتلال وتجاوب معظم الدول مع القرار، يلخص المسار الذي بدأ بالاحتلال وانتهى بحرب الإبادة. وبدلاً من استخلاص هذه الدولة ومعها الإدارة الأميركية ودول غربية أخرى للدروس ومراجعة السياسات، أمعنت في الإنكار وانتقلت إلى الهجوم على «الجنائية الدولية» وداعميها بتهمة معاداة السامية.
في الجهة الأخرى فإن أهداف حزب الله وحماس المعلنة هي وقف الحرب على جبهتي الجنوب وغزة، وانسحاب الاحتلال من القرى التي احتلها في الجنوب ومن قطاع غزة، وإدخال المواد الغذائية والطبية، وتبادل الأسرى والعودة الى ما قبل 7 و 8 أكتوبر والبدء بعملية الإعمار. تحقيق الأهداف الإسرائيلية يعني انتصاراً استراتيجياً، وتحقيق أهداف المقاومتين اللبنانية والفلسطينية يعني انتصاراً موارباً بالقراءة التي اعتدنا سماعها وهي عدم تحقيق العدو لأهدافه يعني انتصاراً للمقاومة، ومن دلائل النصر أن إسرائيل أصبحت منهارة ومنبوذة وقد تقدمت المقاومة خطوة نوعية نحو هدف إزالة إسرائيل.
واقع الحال يجري التفاوض على اتفاقات بين النظام الإيراني زعيم محور المقاومة، وإدارة بايدن التي تتبنى بقاء إسرائيل في موقع المنتصر والمهيمن. إيران تتفاوض الآن مع إدارة بايدن ومع الاتحاد الأوروبي على مشروعها النووي، وتتفاوض أيضاً مع إدارة ترامب القادمة. تحت عنوان «التعهد بعدم امتلاك سلاح نووي مقابل تعويضات وامتيازات». وفي هذا السياق تحث حزب الله على القبول بوقف إطلاق النار وتطبيق قرار 1701 الذي ينص على تراجع الحزب الى الليطاني، وتطبيق قرارات مجلس الأمن التي تنص على نقل سلاح الحزب والمليشيات الأخرى الى عهدة الدولة اللبنانية وجيشها الرسمي. مضافاً الى ذلك وضع ضمانات بعدم عودة حزب الله إلى المنطقة الحدودية كما حدث بعد حرب 2006، من خلال لجنة مراقبة دولية. وضبط المعابر الحدودية للحيلولة دون دخول السلاح لحزب الله. ويلاحظ أن بند وحدة الساحات وربط وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل بوقف إطلاق النار على جبهة قطاع غزة يسقط من الحسابات المتداولة، ولا يعود شرطاً لبنانياً كما جرى التأكيد عليه. التفريط بغزة الذي تحدث عنه أكثر من مسؤول لبناني، يترافق مع تراجع ملحوظ عن دور حزب الله في حماية لبنان وسيادته من التهديد الإسرائيلي بانتقال مهمة الدفاع عن السيادة اللبنانية للدولة اللبنانية. هل يفهم من ذلك تراجع ايران عن حلفائها او «أذرعها»؟ أم أنها تنحني أمام العاصفة وتحاول وقف التدمير الذي تتعرض له بنية الحزب العسكرية واللوجستية وحاضنته الاجتماعية؟
الاستراتيجية الإيرانية تتضعضع وتفشل وهي تتخلى عن جبهة قطاع غزة، وتخسر جبهة لبنان، ولم تتمكن من إشراك جبهة سورية في هذه الحرب حتى على المستوى اللوجستي. والأغرب أن إيران تستخدم تخليها عن الأذرع في الوصول الى صفقة مشروعها النووي. ما يؤكد ان استراتيجيتها المغلفة بشعارات التحرر لها وظيفة لا تمت الى التحرر الوطني منذ البداية وحتى الآن. إزاء ذلك من المفترض ان ينكشف الدور الإيراني على حقيقته وبدون تمويه، انكشافا ليس من موقع أصحاب الاتفاقات الإبراهيمية وعلاقات التبعية والهيمنة الأميركية الإسرائيلية، ولكن من موقع بحث جمهور المقاومة عن التحرر والخلاص من الاحتلال.
غير أن تراجع إيران عن استخدام المقاومة وسحرها كورقة ضغط لتحسين موقعها الإقليمي ضمن علاقات الهيمنة والتبعية، لا يعني أنها تتراجع عن إعادة بناء نفوذها وسيطرتها على بلدان كلبنان والعراق وسورية والاحتفاظ بالسيطرة على اليمن، ومن المتوقع أن لا تجابه بمعارضة إسرائيلية أميركية إذا ما نحت جانبا استخدامها للسلاح ضد إسرائيل. كما لا تتراجع عن خطابها المعادي لإسرائيل والداعي الى تدميرها وزوالها، ولا عن قدرتها على تدميرها في دقائق وعن انتصار المقاومة في كل المعارك السابقة، بما في ذلك في هذه المعركة. آن الأوان لمراجعة الاستراتيجية الإيرانية ووضع الحدود الفاصلة معها والتعامل مع هذا البلد من موقع مستقل بعيدا عن أطماعه في سيطرة استعمارية جديدة. وآن الأوان لتدخل فلسطيني مجتمَعاً ومؤسسات ونُخباً سياسية وثقافية وأكاديمية وإعلامية لوقف حرب الإبادة، وقطع الطريق على أهداف حكومة نتنياهو في تثبيت الاحتلال والضم والتهجير وتفكيك المجتمع الفلسطيني، وللحديث بقية.