- جيش الاحتلال يحاصر مدرسة عوني الحرثاني على دوار الشيخ زايد شمال قطاع غزة
خاص: في يوليو من العام 1973 وبعد أشهر من البحث والتعقب في أوروبا وصلت خلية تابعة الموساد إلى مدينة ليلهامر النرويجية، واستعدت لاقتناص هدف ثمين.
كان الهدف هو على حسن سلامة، القائد الفلسطيني الفذ الذي برز في أواخر الستينات وأربك سياسيي إسرائيل ورجال مخابراتها، وقلب معادلة الخوف بعدما وجه ضربات موجعة للموساد كانت كفيلة بأن يكون اسمه من أوائل الاسماء على قائمة الاغتيال.
مساء يوم الحادي والعشرين من يوليو، تمركزت خلية الموساد في ليلهامر، ظهر الهدف يسير رفقة زوجته بعد خروجه من أحد دور السينما، ألقى رئيس الخلية نظرته الأخيرة على صورة علي التي كانت بحوزته، وتأكد أنه الهدف المنشود.
استقل الهدف وزوجته إحدى الحافلات، وما أن نزلا حتى توقفت قربهما سيارة بيضاء من طراز بيجو، وقفز منها مسلحان وأمطرا جسده بحوالى 14 طلقة، وظنت إسرائيل أنها تخلصت من الكابوس الذي أرعبها لسنوات.
في اليوم التالي حدث ما لم يكن متوقعا، واستفاق الموساد على كارثة لم يشهدها من قبل، بعدما تصدر خبر اعتقال الشرطة النرويجية ستة من أعضاء الخلية عناوين الصحف العالمية.. لم يتوقف الامر هنا، إذ تبين أن القتيل لم يكن علي سلامة إنما النرويجي من أصل مغربي أحمد بوشيخي، وهو الأمر الذي ألحق ضررا كبيرا بسمعة «الموساد» ومصداقيته.
من شابه أباه
كان علي شابا وسيما ومؤثرا جدا وذا حضور طاغ، ورغم قصر عمره فإنه كان من أبرز قادة النضال الفلسطيني، كان سرابا خارقا للعادة غامضا لا يمكن التنبؤ بأفعاله، يتلوّن كالحرباء أينما حل وارتحل بأناقته ولغاته الأجنبية المتعددة، اقتدى بأبيه في المقاومة، ومن شابه أباه فما ظلم.
والده حسن سلامة أحد قادة الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 ضدَّ الانتداب البريطاني، وظل يقاتل العصابات الصهيونية حتى استشهد في معارك حرب فلسطين عام 1948، حينها كان علي في السابعة من عمره، فلم يتعرف على أبيه إلا من خلال ما يطرق آذانه من حكايات الناس، لكنه أيقن منذ نعومة اظفاره بأن عليه السير على خطى أبيه، خاصة وأنه ينحدر لعائلة تعتبر القتال قضية إرث، ينتقل من جيل الى جيل.
بعد تدمير قرية قولة قضاء اللد في حرب 48، التجأ علي وعائلته سلامة إلى لبنان، لكنه سرعان ما سافر إلى سويسرا لدراسة اللغات، ومنها إلى ألمانيا قبل أن يعود إلى القاهرة، وهناك عرّفه خالد الحسن إلى حركة فتح، وانضم إلى الحركة سرا عام 1963.
جهاز الرصد المركزي
بعد الهزيمة المريرة للجيوش العربية عام 67، توطدت العلاقات بين القيادتين المصرية والفلسطينية، ووجه الرئيس جمال عبد الناصر جهاز المخابرات المصرية بتقديم المساعدة الأمنية لحركة “فتح” فكان طلب الشهيد القائد صلاح خلف عقد دورات لنواة الجهاز الامني، كان من بينهم علي حسن سلامة.
شكلت الدورة نقلة مفصلية في حياة سلامة، حيث نقلته من دائرة التنظيم الشعبي إلى دائرة الرصد والتجسس، واستدعي إلى العاصمة الأردنية عمان عام 68، ووضعه صلاح خلف على رأس جهاز الرصد المركزي لحركة فتح، المكلف بحماية أمن الثورة الفلسطينية من الداخل والخارج.
نجح الجهاز في مد القيادة بأدق وأثمن المعلومات السرية، وكشف العديد من محاولات الاغتيال، كما قامت دائرة مكافحة التجسس باستدراج العملاء وحماية الثورة من محاولات الاختراق، فضلا عن توليه العلاقة الأمنية بين فتح والمنظمات التي تشكلت منها منظمة التحرير.
أيلول الأسود
مع تنامي قوة فتح في عمّان أصبح القلق يساور صناع القرار في الأردن، خاصة بعد الانتصار الكبير الذي حققته الحركة جنبا إلى جنب مع الجيش الأردني على إسرائيل في معركة الكرامة عام 68، وهو الأمر الذي أدى لاحقا إلى صدامات مسلحة بين الجانبين عرفت إعلاميا باسم أحداث “أيلول الأسود” انتهت بمغادرة حركة فتح تماما من الأردن بإتجاه لبنان.
لم يكن انتقال قواعد الفدائيين إلى لبنان أمنا وسهلا، فقد كثف الطيران الإسرائيلي ضرباته على قوعد المقاومة، كان أبو حسن سلامة في هذه الفترة مرافقا لياسر عرفات ومسؤولا عن أمنه، وأسس وحدة خاصة مطلع السبعينات أطلق عليها اسم قوة الـ17.
تأسيس القوة جاء لإضفاء الطابع الاحترافي على أجهزة المخابرات في حركة فتح، لذلك ضمت نخبة مقاتلي الحركة، وأوكل إليها إلى جانب حماية قيادة منظمة التحرير، تنفيذ عمليات خاصة، وكانت تتبع لعرفات مباشرة.
ومع اتساع رقعة المواجهات، قرر بعض قادة فتح ومن بينهم أبو حسن سلامة تشكيل منظمة سرية أطلق عليها “أيلول الأسود”، نفذت العديد من العمليات والاغتيالات، وطورت طرق عمل محترفة جدا مكنتها من أداء عملها باحترافية عالية، حتى أصبحت بعد عدة سنوات لغزا محيرا مخيفا وخطيرا يرعب إسرائيل بسبب عملياتها المتتالية، والضباب الذي يحيط بها ويحجب حقيقتها.
عملية ميونخ
في سبتمبر 1972، تلقت إسرائيل صفعة لم تشهدها من قبل، إذ تسلل عناصر من منظمة أيلول الأسود إلى المدينة الرياضية في العاصمة الألمانية ميونخ، حيث تُعقد دورة الألعاب الأولمبية، ونفذوا عملية هزت الرأي العام العالمي.
كان قائد العملية مهندسا درس في ألمانيا، وقد شارك في بناء المدينة الرياضية، لذلك فهو محيط بتفاصيلها الكاملة.
اقتضت الخطة التسلل إلى مبنى الرياضيين الإسرائيليين من أجل اختطافهم والتفاوض على إطلاق عدد من الأسرى، ثم ترحيل المجموعة بطائرة خاصة إلى القاهرة دون قتل أحد من الرهائن، لكن رئيسة وزراء الاحتلال غولدا مائير رفضت التفاوض محملة الألمان مسؤولية التفاوض، وحين توجهت المجموعة مع الضحايا إلى مطار عسكري للإقلاع إلى مصر حاول الألمان أن يوقفوا العملية بأي وسيلة، فوقعت الكارثة ومات الرياضيون ولم ينج من الفدائيين إلا شخصان ليس من بينهم قائد العملية ومخططها الذي استشهد في الميدان.
بعد شهرين، تم الربط بين اسم علي حسن سلامة والعملية في مقال كتب بمجلة ألمانية، بل تم اتهامه في المقال بأنه العقل المدبر لها والقائد المنفذ لها أيضا، وثأرا لقتلاها اتخذت غولدا مائير قرارا بقتل قياديي فتح أينما حلوا وارتحلوا، وبالتحديد أبو حسن سلامة الذي أطلقت عليه لقب «الأمير الأحمر»، فالأمير بسبب ثرائه وظروف معيشته أما "الأحمر" فيشير إلى سلوكه النضالي الثوري.
اغتيالات متبادلة
بعد عملية ميونخ تشكلت لجنة إسرائيلية سرية برئاسة غولدا مائير، ووزير الحرب موشيه دايان، للرد على عملية، وأقرت اغتيال كل مَن له علاقة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بمنظمة "أيلول الأسود".
أعد الاحتلال قائمة اغتيالات شملت عددا كبيرا من الشخصيات الفلسطينية وعلى رأسها الأمير الأحمر.
بعد شهر من عملية ميونخ اغتال الموساد ممثل منظمة التحرير في روما وائل زعيتر، تلاه اغتيال ممثل المنظمة في باريس محمد الهمشري، أما الرد الأبرز فكان في التاسع من إبريل عام 73 عندما اقتحمت قوة من الكوماندوز الإسرائيلي شارع الفردان وسط بيروت واغتالت القادة محمد يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر، وفي هذه الأثناء كان علي حسن سلامة ينام في منزله على بعد عشرات الأمتار عن المبنى الذي اقتحمه الموساد.
لم تقف المنطمة مكتوفة الأيدي أمام عمليات الموساد، وشنت سلسلة عمليات أوجعت الكيان الإسرائيلي، بدأت باغتيال عميلين للموساد في بروكسل ومدريد، وإرسال الطرود المفخخة إلى ضباط ومسؤولين إسرائيليين في العواصم الأوروبية، لكن التطور الأبرز كان في عام 72 حين احتل 4 فدائيين مقر السفارة الإسرائيلية في تايلاند واحتجزوا 6 دبلوماسيين، تلاها في العام اللاحق مقتل الملحق العسكري الإسرائيلي في واشنطن يوسف ألون، في ظروف غامضة، نسبها البعض إلى منظمة أيلول الأسود ضمن حرب الاغتيالات المتبادلة.
رجل الظل
خلال الفترة بين عامي 72 و73 نجح الاحتلال في اغتيال العديد من قادة منظمة أيلول الأسود، لكن الوحيد الذي نجا من كل هذه العمليات لعدة سنوات كان أبو حسن سلامة.
استمرت عمليات المنظمة حتى انتزعت اعتراف الجامعة العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني في قمة الرباط عام 1974.
وبموازة العمل السياسي، نجح الجهاز الأمني بقيادة أبو حسن في مكافحة التجسس الإسرائيلي وتمكن من كشف العديد من العملاء خلال فترة وجيزة، ومهاجمة شبكات الاستخبارات الإسرائيلية داخل أوروبا.
كما ارتبط اسمه بالاتصالات السرية التي كانت تجريها منظمة التحرير مع الأطراف الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي بدأ تواصله معها عام 69 حتى نجح في إيصال ياسر عرفات إلى منبر الأمم المتحدة في 13 نوفمبر 1974، وكان ضمن الوفد الفلسطيني المرافق له.
العملية الأخيرة
بعد 5 محاولات اغتيال فاشلة، لم ييأس الموساد من تكرار محاولات تصفية الأمير الأحمر وجاءت آخر محاولاته عن طريق إرسال عملاء أجانب إلى لبنان تحت ستار العمل الإنساني.
استدعت الخطة سفر الجاسوسة اريكا تشامبر عام 78 إلى لبنان عبر جواز سفر إنجليزي مزيف، وكان الهدف جمع معلومات عن الأمير الأحمر.
وبالفعل استئجرت شقة مقابلة لمنزل أبو حسن سلامة، وكانت تدعي أنها رسامة وتنصب اللوحات التي ترسمها على شرفتها في الشقة، وبذلك كانت تراقب عن كثب تحركاته والاتجاه الذي يسلك ومواعيد خروجه ودخوله.
بينما كان يقترب الموساد أكثر فأكثر لأبو حسن سلامة، وصل للاخير تحذيرا بأن ملف اغتياله قد تم سحبه من الدرج وذلك يعني أن خطة اغتياله أصبحت جاهزة وأن التنفيذ على وشك أن تدق ساعته، فأجاب “فليصنعوا ما أرادوا”، وعندما نصحه أهله بتغيير روتين حياته رفض بحجة أن ذلك لا يجدي، فحين تعطى الأوامر بالاغتيال فهو واقع لا محالة، ولكنه سوف ينتظر ويقاوم.
الوداع الأخير
في الثاني والعشرين من يناير 1979؛ جهزت خلية الموساد سيارة زرقاء اللون من طراز فوكس فاجن، وتم تفخيخها بالمتفجرات ووضعها على طريق مرور الأمير الأحمر، في تلك الأثناء كان أبو حسن قد نزل من منزله متوجها إلى احتفال بعيد ميلاد ابنة شقيقته، وحين ركب السيارة تسلم رسالة مفادها أن هناك محاولة لاغتيالك اليوم.
تحركت السيارة وما أن طأطأ رأسه ليقرأها وقع الانفجار، واستشهد برفقة أربعة من مرافقيه وعدد من المارة.
شارك عشرات الألاف في تشييع جثمانه ووري جثمانه الثرى في مقبرة الشهداء وسط العاصمة اللبنانية بيروت.
وبعد 6 سنوات من الجريمة، تمكنت القوة 17 التي أسسها علي حسن سلامة من التوصل إلى عميلة الموساد، التي شاركت في عملية اغتيال قائدهم على متن يخت في مدينة لارنكا القبرصية وقضوا على جميع من في اليخت من الإسرائيليين، انتقامًا لروح الطاهرة.