طولكرم: "إذا قالت فعلت، وإذا وعدت أوفت، وإذا ضربت أوجعت" كان هذا شعار كتائب شهداء الأقصى، الذراع العسكرية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، الذي تبنته على الأرض الفلسطينية، لتوجع الاحتلال بأقصى الضربات، لتعلم القاصي والداني كيف تكون المقاومة الفلسطينية.
يعدّ مفهوم الثأر أساساً في تشكّل الوطنية الفلسطينية وحافزاً لما هو كامنٌ للتمثّل على أرض الواقع، بل ونظاماً قائماً بذاته يُرهب العدو ويضعه في حالة قلق هدّام دائمة، كان ذلك المبدأ الذي عمل به الشهيد رائد الكرمي القائد العام لكتائب شهداء الأقصى، في الضفة الغربية، إذ كان صاحب الرد السريع والمزلزل على جرائم الاحتلال بحق شعبنا الفلسطيني.
إنه رائد سعيد الكرمي "أبو فلسطين" 30 عاما من مدينة طولكرم، متزوج ولديه طفلان فلسطين ورائد، عُرف بوطنيته منذ نعومة أظافره ومر في كافة المراحل المرتبطة بالنضال الوطني، إلى أن التحق بجهاز المخابرات العامة الفلسطينية.
نقطة تحول جذرية
في 28 سبتمبر/أيلول عام 2000، اقتحم شارون ساحات المسجد الأقصى لتكون نقطة تحول جذرية أعادت رائد إلى أحضان المقاومة، بعدما تغطرس المحتل في أشكال العدوان المختلفة على الشعب الفلسطيني، كان في السابعة والعشرين، وجد الحجر صغيرًا في مقاومة الطائرة والدبابة؛ فانتفاضة الأقصى لم تعد كالانتفاضة السابقة؛ خاصة وأن الممارسات الإسرائيلية اشتدت وتضاعفت وتعددت أشكالها؛ وهو ما دفع رائد إلى اتخاذ قرار بحمل البندقية، وبدء مسيرة جديدة من المقاومة، يصبح اسم رائد الكرمي، مصدر رعب في نفوس القيادات الأمنية الإسرائيلية؛ وهو ما دفعهم إلى وضعه في مقدمة قائمة للمطلوبين.
صائد المستوطنين
لقب الكرمي بـ"صائد المستوطنين" بعد أن نشرت عملياته البطولية الرعب في صفوف المستوطنين وجعلهم يتقوقعون داخل ثكناتهم العسكرية يرتعبون من الخروج منها خوفا من رصاصات الكرمي.
وتصدر قائمة المطلوبين السبعة التي تقدمت بها حكومة الاحتلال للسلطة الفلسطينية من أجل اعتقالهم، إذ اتهمته بقتل عدد من الصهاينة في منطقة طولكرم وجرح عدد كبير منهم.
كما قاد الكرمي خلية كانت مسؤولة عن إطلاق النار على قواعد لجيش الاحتلال، بالإضافة لاستهداف مقر الارتباط في المدخل الجنوبي لطولكرم.
صاحب الرد السريع
كان التحول الكبير في حياة الكرمي، بعد اغتيال مسؤول حركة فتح الأول في طولكرم الشهيد ثابت ثابت والشهيد معتز السروجي والشهيد طارق القطو، يوم 31 ديسمبر 2000، لينتقل ضابط جهاز المخابرات العامة رائد الكرمي إلى العنوان الأبرز في مدينة الصمود، واستطاع تشكيل مجموعات "ثابت ثابت" ومن ثم قام بتشكيل خلايا صغيرة أُطلق عليها "كتائب شهداء الأقصى"، والتي كانت لعملياتها السريعة في الرد على عمليات الاغتيال التي كان يقوم بها جيش الاحتلال أثر كبير على الكيان .
اشتهرت قصة روتها أخت الشهيد الكرمي عند رؤيته لمشهد أدمى قلبه، وتقول، "في أحد أيام انتفاضة الأقصى كانت العائلة تجلس أمام التلفزيون، وعرض آنذاك صورة لطفلة صغيرة عمرها (6) سنوات، كانت تبكي أباها الذي قتله جنود الإحتلال في قرية “شويكة” المجاورة لطولكرم، وتأثر الشهيد رائد بمشهد الفتاة حتى البكاء، وأقسم لها وهي على شاشة التلفزيون بأن ينتقم لأبيها، ونفذ في ذات الليلة عملية قتل فيها مستوطنًا وجرح آخر بحالة خطيرة ".
اعتز به الصغار قبل الكبار لشخصيته وحبه لفلسطين وانفتاحه على كل أفكار جديدة تتعلق بالعمليات الفدائية .
نجاة من الاغتيال
نجا الكرمي من 4 محاولات اغتيال محققة، كان أبرزها قصف المروحيات الصهيونية الأباتشي، السيارة التي يستقلها مع ثلاثة من رفاقه قرب مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم، لكنها فشلت ليخرج بطلًا أكثر تصميم على المقاومة وقتل المستوطنين والجنود.
وقال الشهيد من سريره في مستشفى طولكرم حيث خضع لعملية جراحية في عينه لاستئصال شظية من أحد الصواريخ الثلاثة التي أطلقتها المروحيات الإسرائيلية عليه، إن "هذه المحاولة لم تزدني إلا عزما وإصرارا وتصميما على مواصلة النضال، وسنمضي في قتل المستوطنين والجنود حتى يخرجوا من بلادنا".
موعد مع الشهادة
اغتال جهاز الأمن العام "الشاباك" القائد العام لـ كتائب شهداء الأقصى، رائد الكرمي، يوم 14 يناير/كانون الثاني 2002 في عملية نوعية، إذ حصل على معلومات مفادها أن رائد الكرمي من كبار مطلوبي فتح في طولكرم اعتاد صباح كل يوم أن يذهب مشيًا على الأقدام، لكنه كان يسير محاذيًا للجدران تفاديًا لحركة المروحيات، فنصب "الشاباك" عبوة ناسفة مخفية في جدار المقبرة التي كان يسير بجانبها، وفجرها عند عبوره من جانبها، ليرتقي شهيدًا.
الخطأ الكبير
عقب اغتيال الكرمي اشتعلت الأوضاع في طولكرم خاصة، وفلسطين عامة، حيث ردت حركة فتح بعملية استشهادية، كبيرة، قتل فيها 133 إسرائيليا بعد مضي شهر واحد فقط من مقتل الكرمي، وهو الأمر الذي دفع لاحقاً وزير حرب الاحتلال آنذاك بنيامين بن إليعازر للقول، إن "اغتيال الكرمي أكبر خطأ في حياتي".
ثلاثة أيام على الاغتيال، كانت كفيلة بأن يتحقق السيناريو الأسوأ، حيث قامت كتائب شهداء الأقصى بالانتقام وإرسال أحد رجال الكرمي الذي نجح في التسلل إلى الخضيرة وقتل ستة إسرائيليين؛ ليتبعها قيام حركة فتح بأولى عملياتها الاستشهادية في شارع يافا في القدس المحتلة، وهي العملية التي أودت بحياة اثنين وجرحت 380
إسرائيل أدخلت بهذا الاغتيال التنظيم العسكري الأكبر التابع لحركة فتح إلى دائرة العمليات الاستشهادية، وجعلت معظم الشارع الفلسطيني يؤيد عودة العمليات والعودة إلى العمليات.
مارس الأسود
خلال شهر مارس/آذار من العام 2002، والذي حظي بلقب "مارس الأسود" نفذت ضد إسرائيل 47 عملية، بينهما 11 عملية استشهادية، واعتبرت العملية التي وقعت عشية رأس السنة العبرية في فندق بارك في نتانيا الأكثر إيلامًا فيها، حيث بلغ عدد القتلى 82 قتيلاً وهي التي قادت إلى اتخاذ قرار اجتياح الضفة الغربية، وما عرف بعملية السور الواقي.
وكان اغتيال الكرمي العامل الأساسي في تفجر الأوضاع في الضفة من جديد، بسبب عمليات الانتقام التي جرت ردا على اغتياله.
وتقلد الشهيد القائد رائد الكرمي، "وسام البطولة" من الشهيد الراحل ياسر عرفات قبل شهرين من استشهاده، وعينه قائدًا لحركة فتح في شمال الضفة الغربية.
رحل الكرمي نبض ثورةٍ لم تهدئ بل اشتدّت من بعده، تاركا خلفه جيلُا يعشق الأرض والشهادة، وترك مدينته التي غير وجهها حزينة تستذكر بطولاته.
وظلت مقولته الشهيرة، "إنني خرجت من عندكم جائعاً فقابلت فريستي فافترستها، فهكذا تكون الأسود بالغابات، فمن حقنا أن نفترس هؤلاء المستوطنين "، حاضرة في الأذهان.