- جيش الاحتلال يطلق قنابل إنارة بالأجواء الجنوبية لمدينة غزة بالتزامن مع إطلاق نار من آلياته العسكرية
أحمد الحناوي: يصادف الأول من يناير/ كانون ثاني من كل عام، الذكرى السنوية لانطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وتمر اليوم الذكرى الـ56 لانطلاقة فتح، ففي عام 1965، كانت نقطة البداية لأول تحرك جماهيري فلسطيني على الطريق السليم.
الانطلاقة
بعد 17 عاما من النكبة الفلسطينية 1948، انطلقت حركة "فتح" لتمثل التنظيم الفلسطيني، الذي ارتبطت الثورة الفلسطينية باسمه، باعتبار أن انطلاقة "فتح" في العام 1965 مثلت الانبعاث الحقيقي للوطنية الفلسطينية والكفاح المسلح، من خلال كوكبة من الشباب الفلسطيني، ويعود اختيار هذا التاريخ، حين نفذت الحركة في اليوم الذي سبقه من عام 1965 أول عملية فدائية ضد أهداف "إسرائيلية"، إيذانًا بانطلاقة الحركة التي نشرت بيانها الأول في ذلك اليوم، لتعلن رسميا عن قيام عناصرها بتفجير محطة مائية عرفت باسم "نفق عيلبون" داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
فتح
عُرفت "فتح" خلال المؤتمر الرابع للحركة الذي عُقد في مايو/ أيار من عام 1980 بالعاصمة السورية دمشق، على أنها "حركة وطنية ثورية مستقلة وهدفها تحرير فلسطين بشكل كامل وتصفية الكيان الإسرائيلي اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وثقافيا وفكريا، وإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني".
وحول أساليب العمل والنضال، قالت التوصيات "إن أسلوبنا لتحقيق أهدافنا هو الثورة الشعبية المسلحة كونها الطريق الحتمي الوحيد لتحرير فلسطين، وإن الكفاح المسلح هو استراتيجية وليس تكتيكا، والثورة المسلحة للشعب العربي الفلسطيني عامل حاسم في معركة التحرير وتصفية الوجود الصهيوني وتحرير فلسطين، ونعتمد في كل كفاحنا على الشعب العربي الفلسطيني كطليعة وأساس وعلى الأمة العربية كشريك في المعركة والمصير".
ومرّت الحركة وعلى مدار تاريخها بعدة مراحل ومحطات هامة وكانت ذروة قوتها في العمليات الفدائية التي نفذها مقاتلوها في ستينيات وسبعينات القرن الماضي، حينما اتخذوا من غور الأردن مقرا لانطلاق تلك العمليات، ومن ثم تبني الخيار السلمي، والانتقال إلى لبنان ومن ثم إلى تونس فالأراضي الفلسطينية المحتلة.
الفكرة
تستند حركة فتح في مبادئها على أن فلسطين أرض للفلسطينيين جميعاً، وهي أرض عربية يجب على كل أبناء العروبة المشاركة في تحريرها.
وبلورت برنامجها النضالي الذي اهتم بتعبئة الشعب الفلسطيني بكل فئاته وطبقاته وأماكن تواجده، وتجنب الصراع الطبقي والفئوي والطائفي والإقليمي، وركز على العمل على استعادة الهوية الفلسطينية للأرض والشعب، وعلى أهمية ترسيخ استقلال الإرادة الفلسطينية، وتعظيم ارتباطها بالأمة العربية، واستقطاب دعمها وحمايتها، وبدأت فتح بعدها في الإعداد لانطلاق الكفاح المسلح من خلال قوات العاصفة.
الولادة والتأسيس
يمثل العام 1957 نشأة حركة "فتح" التي أتت في الحقيقة من تلاقي الأفكار الثورية لعدد من البؤر التنظيمية المنتشرة منذ عام 1948، وعقد لقاء ضم ستة أشخاص هم: "ياسر عرفات، وخليل الوزير وعادل عبد الكريم، وعبد الله الدنان، ويوسف عميرة، وتوفيق شديد، حيث اعتبر هذا اللقاء بمثابة اللقاء التأسيسي الأول لحركة "فتح"، واتفقوا على اسم الحركة للأحرف الأولى للتنظيم مقلوبة من "حتوف" ثم "حتف" إلى "فتح"، هذه الأفكار التي مثلت لدى أعضائها، رداً على النكبة وعلى العدوان الثلاثي 1956، وعلى فقدان مصداقية الأحزاب السياسية، التي كانت منتشرة في الساحة آنذاك، وعلى الرغبة في استقلالية العمل الوطني الفلسطيني، خاصةً بعد تجميد عمليات الفدائيين من قبل السلطات المصرية عام 1957.
انطلقت في هذا العام طلائع فلسطينية مسلحة إلى قلب الأرض المحتلة، وسط عالم مظلم وظروف صعبة وقاسية، لتضع أول تطور واقعي في تاريخ كفاح الشعب الفلسطيني، في أعقاب النكبة من أجل التحرير.
وفي العام 1959 ظهرت "فتح" من خلال منبرها الإعلامي الأول مجلة "فلسطيننا – نداء الحياة"، التي صدرت في بيروت منذ شهر تشرين ثاني/ نوفمبر، والتي أدارها توفيق خوري، وقامت مجلة "فلسطيننا" بمهمة التعريف بالحركة ونشر فكرها ما بين 1959 – 1964 واستقطبت من خلالها العديد من المجموعات التنظيمية الثورية الأخرى، فانضم للحركة خلال تلك الفترة كل من: صلاح خلف وخالد الحسن، وعبد الفتاح حمود، وكمال عدوان، ومحمد يوسف النجار وماجد أبو شرار، وأحمد قريع، وفاروق قدومي، وصخر حبش، ويحيى عاشور، وزكريا عبد الحميد، وسميح أبو كويك، وعباس زكي، وغيرهم الكثير إلى صفوف هذه الحركة الناشئة.
أهداف واستراتيجيات الحركة
تهدف حركة فتح إلى تحرير فلسطين وإنهاء الاستيطان وتحقيق الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، ومقاومة الاحتلال، والنضال بجميع أشكاله ضد الاستيطان، والحفاظ على الشخصية الوطنية المستقلة والهوية الفلسطينية، والعمل من أجل الوحدة الوطنية الفلسطينية، وأن الشعب الفلسطيني شعب عربي، وجزء لا يتجزأ من الأمة العربية، وأن فلسطين هي الأرض المقدسة للأديان السماوية الثلاث، ولا تسمح حركة فتح بأي تمييز بين الفلسطينيين على أساس دينهم وعقيدتهم أو مقدار إيمانهم، وتحترم حرية العبادة للجميع.
الكفاح المسلح
بدأت "فتح" بالكفاح المسلح في 31/12/1964 باسم قوات "العاصفة" بالعملية الشهيرة، التي تم فيها تفجير شبكة مياه إسرائيلية تحت اسم عملية "نفق عيلبون"، ثم تواصلت عمليات حركة "فتح" وأخذت تتصاعد منذ العام 1965 مسببةً انزعاجاً شديداً للجيش الإسرائيلي، وصدر البيان السياسي الأول في 28/1/1965 مبيناً أن المخططات السياسية والعسكرية لحركة "فتح" لا تتعارض مع المخططات الرسمية الفلسطينية والعربية، وأكدت الحركة لاحقاً على ضرورة التعبئة العسكرية. وأعلنت الحركة عن انطلاقتها في الأول من يناير/كانون الثاني من العام 1965، كيوم لانطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة.
وشكل انطلاق حركة فتح بالكفاح المسلح، في يناير/كانون الثاني 1965، ولادة حقيقية لحركة المقاومة الفلسطينية المعاصرة بعد النكبة، لتعيد معه "فتح" الاعتبار لهوية الشعب الفلسطيني وشخصيته الوطنية، وتلفت كل الأنظار إلى القضية الفلسطينية وعدالتها ومكانتها بين حركات التحرر في أرجاء العالم.
العلاقات العربية
عام 1962 حضرت "فتح" احتفالات استقلال الجزائر، ثم افتتحت مكتبها في العاصمة الجزائرية عام 1963 برئاسة خليل الوزير، وفي العام 1963 أصبحت سوريا محطة مهمة لحركة "فتح"، بعد قرار حزب البعث السوري السماح لها التواجد على الساحة السورية.
وفي العام 1964 شارك 20 ممثلا عن حركة "فتح"، في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني رغم اعتراضات "فتح"، العلنية على منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها أداة للدول العربية أقيمت لاستباق صحوة الشعب الفلسطيني، إلا أنها بالمقابل اعتبرتها "إطار رسمي يحوز على شرعية عربية لا بد من الاحتفاظ به"، كما يقول خليل الوزير، ثم يتم تثويره.
العلاقات الدولية
تسعى الحركة دائما إلى تنمية علاقاتها الدولية وتطويرها، موسعة دائرة أصدقائها وحلفائها، ملتزمة استراتيجياً بالقانون الدولي، وبشرعية الأمم المتحدة، ملتزمةً بميثاقها.
وتنطلق حركة فتح في علاقاتها الخارجية من كونها حركة تحرر وطني تكافح ضد الاحتلال الإسرائيلي، مستندة دائماً في حركتها الشعبية والرسمية إلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وحقه في الاستقلال والعودة، كما أنها تستند إلى الحماية التي كفلها القانون الدولي الإنساني، وبالأخص اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بحماية المدنيين في زمن الحرب، وحماية المدنيين تحت الاحتلال الأجنبي، وإلى أحكام القانون الدولي، التي أكدت حق الشعوب في مقاومة الاحتلال، والحق في الكفاح من أجل حريتها واستقلالها وتقرير مصيرها.
الانتقال إلى تونس
كان لانتقال "فتح" إلى تونس سلبيات كثيرة على أداء الحركة؛ كونها بعيدة حدوديا عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما تسبّب بحالة تراجع كبيرة شهدتها "فتح" على جميع المستويات إلى أن اندلعت انتفاضة الحجارة (1987- 1994)، لتعود الحركة إلى الظهور مجددا من خلال الانخراط في الانتفاضة التي تخلّلها اغتيال "إسرائيل" للرجل الثاني في الحركة خليل الوزير "أبو جهاد" في تونس بتاريخ 16أبريل/ نيسان 1988.
واستثمرت حركة "فتح" الانتفاضة لتحريك عملية التسوية مع الاحتلال؛ حيث عقدت المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 1988، وتبنّى قرار مجلس الأمن الدولي (رقم 242)، معترفا بذلك ضمناً "بإسرائيل" وفي الوقت ذاته، أعلن المجلس قرار اقامة الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة وغزة، وهو ما عرف بـ "إعلان الاستقلال".
وترأس القائد الخالد ياسر عرفات رئاسة الدولة الفلسطينية بتكليف من المجلس المركزي الفلسطيني في أبريل/ نيسان 1989.
الزعيم الراحل ياسر عرفات "أبو عمار"
اسمه الحقيقي محمد ياسر عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني وكنيته "أبو عمار" وهو سياسي فلسطيني ورمز لحركة النضال الفلسطيني من أجل الاستقلال، ترأس منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1969 كثالث شخص يتقلد هذا المنصب منذ تأسيس المنظمة عام 1964، وهو القائد العام لحركة فتح أكبر الحركات داخل المنظمة التي أسسها مع رفاقه عام 1959، حيث كرس أبو عمار معظم أوقاته لقيادة النضال الوطني الفلسطيني، قاد الكفاح الفلسطيني من عده بلدان عربية بينها الأردن ولبنان وتونس.
وبعد خروجه من الأردن أسس قواعد كفاح مسلح في بيروت وجنوب لبنان، وأثناء الحرب الأهلية في لبنان انضم إلى قوى اليسار في مواجهة قوى لبنانية يمينية، وخرج من لبنان إلى تونس بعد أن حاصرته القوات الإسرائيلية في بيروت الغربية بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
و قامت إسرائيل بمنعه من مغادرة رام الله لذلك لم يحضر عرفات مؤتمر القمة العربية في بيروت في 26 مارس/آذار 2002 خشية ألا يسمح له بالعودة إذا غادر الأراضي الفلسطينية، وفي 29 مارس/آذار من نفس السنة حاصرته قوات الاحتلال داخل مقره في المقاطعة مع 480 من مرافقيه ورجال الشرطة الفلسطينية، وبدأت حالة من المناوشات التي يقتحم خلالها جيش الاحتلال ويطلق النار هنا ويثقب الجدار هناك، بينما كان عرفات صامدا في مقره متمسكا بمواقفه، وفي تلك الفترة بدأ يتقاطر عليه في مقره بالمقاطعة مئات المتضامنين الدوليين المتعاطفين معه.
وفي يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول 2004 ظهرت أولى علامات التدهور الشديد في صحة ياسر عرفات، فقد أصيب كما أعلن أطباؤه بمرض في الجهاز الهضمي، وتدهورت الحالة الصحية للرئيس الفلسطيني عرفات في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2004، قامت على إثره طائرة مروحية بنقله إلى الأردن ومن ثمة أقلته طائرة أخرى إلى مستشفى بيرسي في فرنسا في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2004.
وتم الإعلان الرسمي عن وفاته من قبل السلطة الفلسطينية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، ودفن في مبنى المقاطعة في مدينة رام الله بعد أن تم تشيع جثمانه في مدينة القاهرة، وذلك بعد الرفض الشديد من قبل حكومة الاحتلال لدفن عرفات في مدينة القدس كما كانت رغبه عرفات قبل وفاته.
"فتح" في القرن الواحد والعشرين
تعرضت حركة "فتح" خلال مسيرتها الطويلة إلى العديد من التحديات، سواء كانت عمليات التصفية لقيادات في الحركة على يد المخابرات الإسرائيلية "الموساد"، أو مواجهات مع دول عربية، أو انشقاقات داخلية، واستطاعت الحركة تجاوزها.
ومنذ مطلع القرن الواحد والعشرين واجهت حركة "فتح" العديد من التحديات الصعبة، فمع انطلاق انتفاضة الأقصى في العام 2000 شكلت العودة للنضال المسلح والعمليات الفدائية التي نفذتها مجموعات تابعة للحركة معادلةً صعبة أمام قيادة الحركة التي خاضت العملية السياسية والمفاوضات مع إسرائيل، منذ مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991؛ وما تبع ذلك من اتفاقيات كان أبرزها اتفاق "أوسلو"، وما ترتب عليه من التزامات أمنية.
وشكلت وفاة زعيم الحركة ياسر عرفات نقطة تحوّل كبرى في مسيرة "فتح" والمسيرة الوطنية الفلسطينية بشكل عام؛ لما شكّله عرفات من حالة رمزية للشعب الفلسطيني.