كيف أصف الرعب الذي يتخلل لحظاتي وأنا أفاجأ بجملة كتبتها في قصة أو صورة في نص شعري كتبها قبلي آخرون؟ كتبت مرة نصاً نشرته في موقع «قديتا» الفلسطيني، فإذا به يشبه في المقاربة إلى حد بعيد نصاً للعزيز مريد البرغوثي، نبّهني إلى ذلك صديق لي اتصل في منتصف الليل وهو يضحك، خجلت من نفسي وأتذكر أني لم أنم ليلتها وتخيلت الأعداء( وهم كثر والحمد لله) ، كيف سيستغلون هذه المصادفة ويفضحونني، وتخيلت مريد وهو يستغرب فعلتي ويزعل مني.
لماذا نغضب ونتوتر ونضطرب ونخجل حين نعرف أن طريقتنا في قول الحكاية أو القصيدة التي كتبناها قد كتبها غيرنا قبلنا؟
أي عار في تكرار صيغ الآخرين أو حتى الاقتراب من تخومها؟
أتذكر محمود درويش وهو يروي قصة معرفته فجأة عن طريق صديق له بعنوان قصيدة لسركون بولص «الوصول إلى مدينة أين»، وكان درويش قد وضع لإحدى قصائده عنوان «مدينة أين»، قال درويش :اتصلت فوراً بالمطبعة وكان الديوان في مراحله الأخيرة وطلبت من الناشر تغيير العنوان.
قد يُظن أن قيمة أي عمل أدبي تكتسب ذاتها من عذريتها وخروجها من أرض لم يمش عليها آخرون قبلنا، ومدى المساحات الجديدة التي تخترقها، لكن ذلك غير صحيح على الإطلاق.
الحكاية ليست في الموضوع بل في طريقة قولنا له، في زاوية مقاربتنا له، في إحساسنا الخاص به، في إعطائنا رؤية جديدة له.
«كل شيء قيل.. كيف أعيد ترتيب القصيدة؟»، هذه جملة شعرية لغسان زقطان كتبها في مكان ما لا أذكره، تلخص هذه الجملة الحيرة الفظيعة الموجعة التي تصفعنا جميعاً ونحن نتهيأ للكتابة، هذا هو قدرنا، نحن نتألم، ونحن نعترف ونعرف أن المواضيع التي كتبها ونكتبها وسيكتبها آخرون في كل مكان هي نفسها، وأن لا مجال لاختراع موضوع جديد، لأن الحياة هي نفسها الحياة، في كل مكان، الناس يموتون في التشيلي كما يفعلون في اليابان، نيرودا كتب عن الموت كذلك ميشيما، لكن مقاربتهما مختلفة بالطبع، ثمة حب في أميركا كذلك في رام الله، كتب بول اوستر في أميركا عن الحب كذلك فعل في رام الله محمود شقير وهكذا، كتب )ت س إليوت) عن الخواء الروحي، قبله كتب دستوفسكي وبعده كونديرا وسيكتب آخرون بعد قرن عن ذلك أيضاً، الجمال والموهبة ليسا في موضوع الخواء، بل في كيفية كتابتنا إياه، كيف نصفه ونشرحه ونحسّه ونقدّمه ونفهمه؟