كتب يوسف الشايب:
استلهمت الكاتبة والناقدة في مجال الثقافة البصرية أديل جرّار، قيِّمَة معرض "مدى البرتقال" البصري، وافتتح في المتحف الفلسطيني ببلدة بيرزيت، أمس، الاسم من مذكرات الشاعر الفرنسي جان جينيه، والتي يتحدث فيها عن رؤيته لأضواء الجليل في المدى من الحدود الأردنية، أثناء "تخييمه" مع الثوار الفلسطينيين، أوائل سبعينيات القرن الماضي.
ويشكل "مدى البرتقال" أكثر من رحلة بصرية في المشهد الطبيعي عبر ملصقات سياسية فلسطينية مختارة من مجموعة المتحف، كان قدمها السفير الفلسطيني السابق لدى أستراليا علي قزق، وهي ملصقات أنتجتها منظمة التحرير الفلسطينية عبر دوائرها الإعلامية والثقافية أو من خلال فصائلها في بيروت وتونس.
والملصق الذي جمع حوله فنانين من كل أنحاء العالم، كما هو حال الثورة الفلسطينية، شكل حالة عالمية، ما انعكس في معرض "مدى البرتقال"، عبر عرض ملصقات لفنانين عالميين وعرب بينهم: السويسري مارك رودين، والياباني توشيو ساتو، والبولندي جاك كوالسكي، والمصري محيي الدين اللباد، والعراقيان ضياء العزاوي وكاظم حيدر، والسوريان برهان كركودلي ويوسف عبدلكي، والأردنية منى السعودي، والمغربي محمد شبعة، بالإضافة إلى نخبة من كبار الفنانين الفلسطينيين كسليمان منصور، ونبيل عناني، وكمال بلاطة، وغيرهم.
وارتأت جرّار تقسيم المعرض إلى سبع مجموعات تبعاً لعلاقتها بالرمزيات والدلالات أو بالمضامين، وهي: بذور التحرر، والنضال كفعل مؤنث، والدمار كمشهد، وفلسطين تتجلى، وردّ البرتقال، وزهر وحنون.
واستعادت جرّار في مجموعة "رد البرتقال"، هذه الفاكهة كعنصر رمزي خاص بالهوية البصرية الفلسطينية فيما مواجهة تسويق البرتقال كمنتج وعلامة تجارية إسرائيلية، في حين أحالت في مجموعة "زهر وحنّون" إلى الدلالات المختلفة لشقائق النعمان وتصويراته في الملصق الفلسطيني كرمز معبّر عن الهوية الوطنية، أما مجموعة "الدمار كمشهد" فكان الملصق فيها تعبيراً عن مشهد لا طبيعي، كالنكبة، ومجزرة تل الزعتر، ومجزرة صبرا وشاتيلا، وغيرها من المآسي، بينما انحازت مجموعة "فلسطين تتجلى" بشكل أساسي إلى الطفولة المسلوبة، في حين انعكست تمثّلات المرأة في الملصقات كعاملة أو مقاتلة في تلك التي ضمتها المجموعة الموسومة بـ"النضال كفعل مؤنث"، في وقت سلطت فيه المجموعة الأولى "بذور التحرر" على ثيمة الأرض الفلسطينية ومعمّريها من مزارعين وفلاحين، فكانت الملصقات في جلها من وحي ذكرى "يوم الأرض".
وتغطي الملصقات المشاركة في معرض "مدى البرتقال" الفترة الزمنية ما بين العامين 1965 و1990، وعددها 32 ملصقاً من أصل 540 ملصقاً تشكل المجموعة التي قدمها قزق إلى المتحف الفلسطيني، وفق ما أشارت جرّار في حديث خاص، لافتةً إلى أن اتجاهها إلى إقامة معرض من وحي الملصق الفلسطيني لكونه "وسيلة شعبية للتعبير عن الأفكار، وبالتالي يعكس الفكر الجمعي والمشروع السائد في فترة البحث تلك"، كما أن "الملصق أو البوستر هو التمثيل المادي للأفكار، فهو تعبير ملموس لدراسة المحسوس، بعيداً عن النخبوية"، مؤكدة أنها لم تتعاط مع الملصق، بحيث يكون معرض "مدى البرتقال" استرجاعياً أو نوستالجيّاً، وهذا انعكس في طريقة العرض، مشددةً على أن من بين أهداف المعرض التعرف على كيفية خلق هوية بصرية فلسطينية في تلك الفترة عبر الملصقات، وكيف يمكن أن تتحول هذه الملصقات إلى مصدر إلهام واستلهام.
من جهتها قالت مدير عام المتحف الفلسطيني د. عادلة العايدي هنية: إن أهمية هذا العرض تتأتى من كونه العرض الأول لجزء من مجموعة المتحف الفلسطيني الدائمة، بحيث يعيد قراءتها وتقديمها بطريقة فنية، خاصةً وأن هذه المجموعة تكتسب أهميتها بتوثيقها لمراحل مفصلية في التاريخ الفلسطيني.