غزة - عمرو طبش: بعد أكثر من 120 يومًا، من إطلاق الصرخات والاستغاثات للجهات المعنية بضرورة العمل على وقف انبعاث غازات سامة وروائح كريهة من مستودعات خضير للمبيدات والأسمدة الزراعية في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، نتيجة قصفه من قبل الاحتلال الإسرائيلي، التي تسببت بإجهاض سيدتين حوامل، وظهور طفح جلدي على بعض السكان، بالإضافة إلى وجود حالات تسمم لدى الأطفال، استجابت الجهات المختصة إلى تلك النداءات من خلال إزالة ما تبقى من المخلفات السامة والخطرة، في منطقة السيفا في بيت لاهيا.
تعود الأحداث إلى منتصف مايو/أيار الماضي، حين قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مستودعات شركة خضير للمستلزمات الزراعية، التي تحتوي على مواد كيميائية وزراعية سامة، ما تسبب في تدمير وإحراق جميع المواد الزراعية، واشتعال النيران بداخلها لمدة 12 يوماً، دون أن تتمكن فرق الدفاع المدني من إخمادها، بالإضافة إلى انبعاث غازات سامة في المنطقة نتيجة تفاعل تلك المواد مع بعضها البعض.
قالت المواطنة دعاء خضير "40 عاماً" لـ"الكوفية"، بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، رجعت على بيتي في بيت لاهيا، ما قدرت أتحمل الروائح الكريهة التي كانت تخرج من مكان مخازن الأدوية الزراعية جراء قصف الاحتلال لها، لأنها كانت قريبة من بيتي، حيث أنني كنت حامل في الشهر الثاني، ولكن بسبب تلك الروائح أصبح الحمل عندي هالك وحدث تسمم ، وفوراً أنزلت جنيني، ولا زلت أعاني من ضيق في التنفس.
وأكدت، أن الضرر الصحي لم يصبها وحدها، نتيجة الروائح التي كانت تخرج من مخازن المبيدات الزراعية، بل أيضاً امتدت الأضرار الصحية حتى طالت جميع سكان المنطقة، من بينهم جارتها الحامل في الشهر الخامس مما أدى إلى إسقاط الجنين، كما أصيب أحد أطفالها بحساسية في الجلد، وهناك الكثير من الأطفال أصيبوا بتسمم وطفح جلدي، وضيق في التنفس.
ونوهت خضير إلى أن سكان المنطقة ناشدوا جميع المسؤولين وأصحاب القرار، ضرورة إزالة هذه الأضرار، نظراً لأنها تشكل خطراً على البيئة بشكل عام وصحتهم بشكل خاص، ولكن جميع المناشدات والمطالبات بقيت معلقة دون جدوى لمدة أربعة شهور وتسعة أيام من تاريخ القصف، مشيرةً إلى أن سلطة البيئة باشرت بإزالة تلك الأضرار قبل يومين، بعدما انتشرت وتابعت، "في الليل ما بنعرف ننام من الدخان، وفي النهار ما بنعرف نقعد في البيت، طيب وين بدنا نروح ونشرد؟؟، لدرجة الأشجار المزروعة عنا مش قادرين نوكل منه لأنه كل متسمم، الله أعلم بعد سنة ولا سنتين يصيبنا أمراض سرطانية ويكون تأثير الروائح على المدى البعيد بشكل سلبي كبير على صحتنا".
وطالبت خضير وزارة الصحة بضرورة التوجه إلى المنطقة، وإجراء فحوصات كاملة لهم، في ظل مخاوف المواطنين من احتمال إصابتهم بـ"تسمم بطيء" تظهر أضراره على المدى البعيد.
ويؤكد الشاب زهير خضير "18 عاماً"، لـ"الكوفية"، أنه أصيب بحساسية شديدة في الجلد وضيق في التنفس، نتيجة استنشاقه الدخان المتصاعد من مخازن المبيدات الزراعية القريبة من منزله، وأشار إلى أنهم في اللحظات الأولى من قصف المخازن الزراعية، وانتشار الدخان السام الذي كان ينبعث بكثافة من ذلك المكان، يطلقون الكثير من المناشدات للجهات المختصة، لإزالة المخلفات السامة، ولكنهم لم يستجيبوا أبداً، وتركوا تلك المنطقة تعاني لأكثر من أربعة شهور، منوهاً إلى الجهات المختصة لم تتحرك سوى بعد إصابة جميع سكان المنطقة.
في السياق ذاته أوضح محمود خضير أحد ملاك مخازن شركات خضير للأسمدة والمبيدات الزراعية، أن جميع مخازن الشركة استهدفت من قبل طائرات الاحتلال الإسرائيلي في الخامس عشر من شهر مايو/أيار بشكل كلي، مضيفاً أنه عندما قصفت تلك المخازن، خرج منها دخان سام وانتشر في المنطقة، نظراً لأنها تحتوي على مواد كيمياوية وزراعية تفاعلت مع بعضها البعض.
وأكد، أن الغازات السامة التي تطايرت من المخازن، تسببت في أضرار بيئية وصحية خطيرة لدى سكان المنطقة، حيث فقدت اثنتان من السيدات الحوامل أجنتهما، نتيجة استنشاقهما تلك الغازات، بالإضافة إلى اكتشاف العديد من الحالات التي ظهر عليها طفح جلدي.
وقال خضير "اعلى مدار أربعة شهور وأنا أناشد جميع جهات الاختصاص، وما خليت ولا مؤسسة إلا وناشدتها من أجل إزالة المخلفات السامة، ولكن لا حياة لمن تنادي"، مشيراً إلى أنه بعد فوات الآوان بدأت سلطة المياه وجودة البيئة في إزالة ما تبقى من تلك المخلفات السامة التي أثرت بشكل خطير على سكان المنطقة.
وأوضح أن المخلفات السامة التي قرروا إزالتها، هي فقط 10% من الكمية التي كانت موجودة وتبخرت في الجو نتيجة الحرائق التي كانت تحدث، متسائلاً: لماذا بعد أربعة شهور وتسعة أيام قرروا بإزالة تلك المخلفات السامة؟، على الرغم أن المخازن كانت تشكل خطراً وضرراً كبيراً على البيئة والمواطنين، حيث أنهم وصفوه بـ" تشير نوبل غزة 2".
وطالب خضير جهات الاختصاص بضرورة العمل على اجراء فحوصات خاصة بالبيئة وللمواطنين، لمعرفة الى أي مدى وصلت تلك الأضرار، لأنه من المحتمل في هذه الأوقات يكون لها علاج خفيف، ولكن على المدى البعيد ستسبب أضراراً كبيراً وخطيرةً.
من جانبه كشف بهاء الأغا مدير عام حماية البيئة في سلطة المياه وجودة البيئة في غزة عن سبب تأخير عملية إزالة المخلفات السامة من المخازن الزراعية التي دمرها الاحتلال، عدم توفر امكانيات لتجهيز وحدة النفايات الخطرة بشكل سريع، بالإضافة إلى وجود مسار تعاقدي ومناقصات واشتراطات بيئية تسببت بذلك التأخير، متابعاً أنه عندما توفرت تلك الامكانيات، بدأوا بالعمل مباشرة على إزالة تلك المخلفات.
وأوضح أنه عندما قصفت المخازن، انتشرت روائح كريهة في المنطقة، أثرت على الصحة العامة للسكان المحيطين لتلك المخازن، مبيناً أنه مع مرور الوقت بدأت هذه الرائحة تتلاشى شيئاً فشيء.
وأكد الأغا أنهم كانوا يخشون هطول الأمطار قبل عملية الإزالة فتتسبب في تسريب عصارة هذه المخلفات إلى الخزان الجوفي، ولكن الطواقم المختصة تمكنت من التخلص جميع النفايات الخطرة بشكل آمن، بدون أي تسرب لها.