بعد أسابيع من «الوعد الصادق/2»، حين أطلقت إيران نحو 200 صاروخ ومُسيّرة على قواعد عسكرية إسرائيلية، قامت طائرات دولة الاحتلال بقصف 20 هدفاً إيرانياً، قالت المصادر إنّها ذات طبيعة عسكرية.
الضربة الإيرانية الثانية على الدولة العبرية كانت مُوجعة، ما جعل الإسرائيليين يرفعون سقف ردودهم عليها، حتى أنّ الكثيرين اعتقدوا أنّها ستستهدف منشآت نووية ونفطية إيرانية، وكان ذلك لو حصل فعلاً، فإنّه سيؤدّي إلى انخراط إيراني مباشر أكبر في الصراع.
خلال الفترة بين الهجوم الإيراني، والرد الإسرائيلي الأخير عليه لم تتوقّف الولايات المتحدة عن محاولة ضبط الردّ الإسرائيلي في الحدود التي لا تسمح بتوسيع دائرة الحرب.
عظّم الإسرائيليون الردّ على نحوٍ مبالغ فيه وقزّمت إيران تأثيرها، إلى الحدّ الذي قد يستجيب للمحاولات الأميركية.
عبثاً يحاول بنيامين نتنياهو وزمرته الفاشية، رسم صورة نصرٍ وردعٍ حيث لم تنطلِ محاولاته على الإسرائيليين، الذين قال بعضهم إنّ الضربة كان يُفترض أن تكون للمنشآت النووية الإيرانية، وبعضهم الآخر قال إنّ نتنياهو انصاع للضغط الأميركي.
وعلى وجه السرعة، أعلن نتنياهو أنّه لم يخضع للضغط الأميركي، فإن كان الأمر كذلك فعلاً، وقد يكون صادقاً فيما ذهب إليه، فإنّ محدودية الردّ الإسرائيلي، تشير إلى ضعف، وخوف من أن تنفجر الجبهة الإيرانية في وجهه على نحوٍ مباشر.
ملامح الضعف الإسرائيلي تظهر في أكثر من ميدان، فبالإضافة إلى مقاصد نتنياهو من ضبط الردّ على إيران، فإنّ جيشه يفشل في قطاع غزّة وفي لبنان، وفي توهانه إزاء أهداف حربه التدميرية.
في غزّة حيث يركّز جيش الاحتلال الإسرائيلي حملة تطهير عرقي غير مسبوقة تستهدف إرغام سكّان شمال القطاع، على الهجرة جنوباً، تواجه «خطة الجنرالات» فشلاً ذريعاً، فلا السكّان يستجيبون رغم الجوع والعطش، وتدمير كلّ مقوّمات البقاء، ولا استطاع أن يخمد المقاومة التي تكبّده المزيد من الخسائر.
ها هي مهلة الشهر التي منحتها أميركا لجيش الاحتلال حتى يُكمل أهدافه في الشمال تنفد، من دون أن يحقق تلك الأهداف رغم إضافة لواء آخر إلى القوات المتواجدة فيه.
المقاومة لا تزال صامدة، وقادرة على التصدّي، وإلحاق المزيد من الخسائر بقوات الاحتلال في شمال القطاع، وفي مدينة غزّة والمنطقة الوسطى وخان يونس.
وفي الحرب على لبنان، استطاع «حزب الله» استعادة تماسكه وتنظيم صفوفه، وتصعيد قصفه على المدن والمستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية. وعلى الميدان، يتكبّد جيش الاحتلال خسائر فادحة دون أن يتمكّن من إيجاد موطئ قدمٍ له على البرّ اللبناني فيما تروّج الدولة العبرية لقرب انتهاء مناورتها البرّية.
صاحب نظرية «دولة غزّة» أو «كيان غزّة»، التوسّع في سيناء المصرية، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق غيورا آيلاند، يدعو إلى «التوصّل بأسرع وقتٍ ممكن إلى صفقةٍ تشمل إعادة كلّ الأسرى فالحرب قد تسبّبت في أضرار للمجتمع وللجنود».
لا جدوى من استمرار الحرب، يقول آيلاند، .. وهناك أسباب لإنهائها إلى جانب مسألة المختطفين على حدّ قوله، ومنها:
• تزايد أعداد القتلى والمصابين من الجنود.
• الضغط الهائل على الجنود وعائلاتهم من ناحية مالية وعائلية.
• العبء الاقتصادي على إسرائيل حيث كلّ يوم من المعارك يكلّف الميزانية نصف مليار شيكل.
• الضغط الدولي المستمرّ والمتصاعد.
آيلاند كان من أكثر المحرّضين على الحرب الإبادية، والقتل والتدمير، و»خطّة الجنرالات»، ومواصلة القتال حتى تحقيق الانتصار الكامل.
وفيما يستمرّ نتنياهو في عناده باتجاه مواصلة الحرب، التي لم يحقّق أيّاً من أهدافها، لا بدّ من مراقبة السلوك الأميركي الذي على ما يبدو أخذ يدرك مدى خطورة نهج نتنياهو على دولة الاحتلال، وأيضاً على مصالحها في المنطقة.
بكلّ السبل تحاول الإدارة الأميركية استبدال الحلّ العسكري بالحلول السياسية والدبلوماسية، ومن خلالها تحقيق ما أرادته دولة الاحتلال في قطاع غزّة وفي لبنان.
وبينما تدّعي الإدارة الأميركية أنّها على علمٍ مسبق بطبيعة وتوقيت الردّ الإسرائيلي على إيران، فإنّها لا تخفي شراكتها وتوجيه تهديدات لإيران في حال بادرت إلى الرد على الرد الإسرائيلي الأخير.
يعلن مسؤول أميركي رفيع أنّه إذا اختارت إيران الردّ على دولة الاحتلال فإنّ بلاده مستعدّة مجدّداً ومرّة أخرى للدفاع عن دولة الاحتلال ولذلك يدعو إلى طيّ صفحة الرد والرد على الرد.
ويعلن البيت الأبيض أنّه يعمل الآن على إنهاء الحرب على لبنان، ووقف إطلاق النار في غزّة، غير أنّ قرب موعد الانتخابات الرئاسية في الخامس من تشرين الثاني القادم، لا يوفّر لإدارة بايدن مثل هذه الإمكانية.
وفي كلّ الأحوال فإنّه سيكون من الصعب على الإدارة الأميركية، أو حتى دولة الاحتلال لو حاولت أن تنجح في الفصل بين الجبهات والاستفراد ببعضها.
حين علّق مسؤول إيراني على الضربة الإسرائيلية الأخيرة، ربط إدانته لها وعلى نحوٍ واضح، بالربط بين ردّ إيران في الوقت المناسب بالعدوان على غزّة ولبنان.
وفي الأساس فإنّ اعتراف دولة الاحتلال كما ورد في موقع «واللا» الإسرائيلي بأنّها أبلغت إيران عَبر وسطاء قبل الهجوم بساعات، وطلبها عدم الردّ عليه، هذا الاعتراف ينطوي على ضعف وربما رجاء بألا تردّ إيران على الردّ الإسرائيلي.
قد يعتقد البعض أنّ عدم استعجال إيران الردّ، وابتلاعه عَبر تقزيم نتائجه أقرب إلى العمل المسرحي، ولكن في هذه المسرحية، يتضح أنّ دولة الاحتلال باتت مردوعة ولا سبيل لديها لاستعادة قدرة الردع.
إيران بذلك وبتسليم أميركي و»غربي» وإسرائيلي، حظيت باعتراف على أنّها قوة إقليمية كبرى لا يمكن تجاوزها، الرسالة الأهمّ على هذا الصعيد عدا مظاهر الضعف الإسرائيلي، هي للعرب، الذين حاولوا إلقاء أمنهم واستقرارهم، في حضن دولة الاحتلال، لمواجهة إيران.
قد لا تظهر أهمية هذه الرسالة اليوم في خضّم الصراع المحتدم، ولكنها ستترك بصماتها في سلوك هؤلاء في مرحلة قادمة، بعد أن تأكّدوا أن دولة الاحتلال التي لا تستطيع حماية نفسها، وتستند إلى الحماية الأميركية، لا يمكنها أن تحمي المرتجفين من العرب الذين عليهم أن يبحثوا عن خيارات الأمن القومي العربي بديلاً، والتصالح مع إيران.