- الصحة اللبنانية: 4 شهداء و29 مصابا جراء غارة إسرائيلية استهدفت منطقة البسطة وسط بيروت
رسالة الدعم الكامل لمصر، التي حملها إلى القاهرة هذا الأسبوع وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن عبد الله بن فرحان، جاءت في وقتها تماماً لمن يقرأ دقائق ما يجري حولنا في المنطقة من تطورات متلاحقة، تبدو وكأنها غمامات تتجمع في سماء الإقليم.
كانت «الرسالة» التي حملها الوزير السعودي واضحة بما يكفي، وكان مضمونها يعكس قوتها، وكان توقيتها يجعلها مسموعة لدى الطرف الإقليمي الذي سيكون عليه أن يسمعها جيداً، وأن ينصت لها على نحو ما يتعين أن يكون الإنصات.
ففي لقاء بن فرحان مع سامح شكري، وزير الخارجية المصري، بعد اجتماع ضمهما مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، شدد الوزيران على: وجود توافق وتنسيق تام بين القاهرة والرياض، بشأن ضرورة إبعاد ليبيا عن التدخلات الخارجية وأهمية الحل السياسي.
أما الحل السياسي الذي يتحدث عنه البيان الصادر عن اللقاء، فالمقصود به «إعلان القاهرة» الذي أعلنه الرئيس السيسي في قاهرة المعز صباح السادس من يونيو (حزيران)، بحضور المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي المنتخب، والمشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي. وهو إعلان يطرح ثلاثة مبادئ أساسية؛ أولها وقف إطلاق النار في ليبيا، وثانيها خروج الميليشيات والمرتزقة جميعها من الأراضي الليبية، وثالثها عودة أطراف الصراع إلى طاولة الحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة.
ولا معنى للإعلان بمبادئه الثلاثة، سوى الرغبة المصرية الصادقة في ترك الشأن الليبي خالصاً لليبيين وحدهم، وسوى أن تكون ثروات البلد لأبنائه دون سواهم، لا لإردوغان الذي لا يخفي أطماعه في هذه الثروات، ولا لميليشياته المستأجرة، ولا للمرتزقة الذين يجمعهم من كل مكان ويرسلهم إلى هناك.
ولكن حديث الوزيرين عن «التوافق والتنسيق التام بين العاصمتين» كان في الأصل يرغب في بعث «رسالة» محددة، هذه الرسالة هي أن القاهرة فيما يخص القضية الليبية، لا تقف وحدها في مواجهة التدخلات الخارجية وإنما تقف إلى جوارها الرياض جنباً إلى جنب لمن شاء أن ينتبه!
فما الهدف؟! الهدف أن يقرأ الرئيس التركي ما بين السطور في البيان الصادر عن اجتماع شكري وبن فرحان، لأن التجربة العملية أمامنا مع إردوغان تقول إنه لا يفهم إلا هذه اللغة التي يتضمنها البيان تلميحاً لا تصريحاً بين سطوره، وأنه عندما يعرف أن هذا هو موقف العاصمة السعودية في الملف، فسوف يعيد التفكير في الغالب فيما يخطط له في ليبيا.
ولم تتضح معالم مثل هذه التجربة العملية مؤخراً، كما اتضحت في الاتصال الذي أجرته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع أنقرة، في اللحظة التي أرسل فيها الرئيس التركي أسطولاً من السفن للتنقيب عن الغاز والنفط بالقرب من إحدى الجزر اليونانية!
لم تجد أثينا حلاً في مواجهة ما أقدم عليه حاكم تركيا، سوى أن تضع قواتها في حالة من التأهب القصوى التي تسبق نشوب الحرب في العادة.
ولأن اليونان عضو في الاتحاد الأوروبي، ولأن ألمانيا ترأس الاتحاد من أول هذا الشهر إلى آخر السنة، فإن الدولة التي تجلس في مقعد القيادة لم يكن من الممكن أن تقف صامتة، ولا كان من الممكن أن تتفرج، وهي ترى الحكومة التركية تتحرش بدولة عضو في الاتحاد، فكان هذا الاتصال الذي بادرت به ميركل، وكان أن تغير الوضع بعده من حال إلى حال!
وقد تغير الوضع بهذه الدرجة لأن المستشارة الألمانية أسمعت إردوغان عبارة من سبع كلمات، فقالت حسب ما نشرت صحيفة «بيلد» في برلين: المواجهة مع اليونان تعني الحرب مع أوروبا!
هذه عبارة صادرة عن امرأة قوية ترأس اتحاداً قوياً، وبالتالي، فصاحبة العبارة تعني ما تقول. وبسرعة كان هو قد حسبها، وبسرعة أيضاً كان قد أصدر تعليماته إلى الأسطول بالانسحاب من قرب الحدود البحرية اليونانية، وبسرعة كذلك كان إبراهيم قالين، المتحدث باسم الرئاسة التركية، قد قال إن بلاده قررت وقف التنقيب في منطقة شرق المتوسط، وإن الرئيس التركي قد طلب تعليق التنقيب في المنطقة، كنهج بنّاء في التفاوض مع الحكومة اليونانية.
هكذا فهم الرجل رسالة أنجيلا ميركل، وهكذا تصرف في الحال، ولم يكن ليتصرف على هذه الصورة، لولا أنه اشتم في عبارة الكلمات السبع أن الموضوع جد لا هزار فيه، وأنه إذا ذهب إلى مواجهة مع اليونانيين فالهزيمة المؤكدة في انتظاره! وربما يكون قد فعلها عن قصد، فأرسل أسطوله إلى حدود اليونان البحرية، وهو عارف مقدماً بأن الاتحاد سيتدخل حتماً، وعندها يستطيع أن يساوم على انسحابه ويبتز كعادته مع أوروبا دائماً. هذه هي طريقته التي لا يخفيها، ومن الجائز أن يكون راغباً في استخدام المرتزقة الذين يرسلهم إلى حكومة فائز السراج في العاصمة طرابلس في سبيل الهدف ذاته، فلا يتوقف عن ابتزاز الأوروبيين ملوحاً بورقة المرتزقة في يده، ثم بقدرته على إطلاقهم من الشاطئ الليبي في الجنوب من البحر المتوسط إلى الشاطئ الشمالي، أو الاحتفاظ بهم لدى السراج إذا سارعت أوروبا ودفعت المقابل!
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتراجع فيها، إذا ما استشعر لغة القوة على لسان الطرف الذي يخاطبه على الشاطئ الآخر.
فمن قبل كانت القاهرة قد أعلنت أن محور سرت الجفرة خط أحمر بالنسبة له، وبالنسبة لقوات حكومة السراج التي يقف إلى جوارها بميليشياته، وبالمرتزقة الذين يستخدمهم وقوداً في وجوده على أرض ليبيا. ولأنه أحس بأن الحديث المصري عن خط أحمر لا يمكن تجاوزه حديث جاد لا فصال فيه، فإن المتحدث قالين قد خرج يعلن على الفور أن تركيا لا تفكر في مواجهة مع مصر في ليبيا، ولا حتى مع فرنسا التي يتبنى رئيسها إيمانويل ماكرون رفضاً مطلقاً لأي وجود تركي على الأراضي الليبية.
وهو لم يكن ليتراجع لو أن القاهرة لم تُظهر له «العين الحمراء» ولا كان سيأخذ مائة خطوة إلى الوراء مع اليونان، لو أن برلين لم تُظهر له العين نفسها!
وهو أيضاً يعرف أن ثلاث عواصم في المنطقة العربية كانت دائماً قادرة على إعادة التوازن في المنطقة، وأن هذه العواصم الثلاث هي القاهرة والرياض ودمشق، وأن دمشق إذا كانت قد غابت عن أداء دورها مؤقتاً، فالقاهرة والرياض قادرتان على أداء المهمة بكفاءة إلى حين حضور العاصمة الغائبة.
البيان الصادر عن لقاء الوزيرين بيان دبلوماسي بطبيعته، ومن شأن البيان الدبلوماسي أن يتحفظ فيما يقول، ولكنّ بياناً تخرج عنه هذه العبارات الواضحة بهذه اللهجة القوية، إنما هو بمثابة يد من حديد ترتدي قفازاً من حرير... وهو بيان قد يبدو من الشكل فيه أنه لسان العاصمتين فقط في نطاقهما، ولكنه في مضمونه ومدى معانيه البعيدة يسعى إلى دفع الخطر الذي يلوح في الأفق عن أمة بكاملها، أكثر مما يعبر عن تضامن تام بين بلدين كبيرين في حجم مصر والسعودية.