- جيش الاحتلال يطلق قنابل إنارة بالأجواء الجنوبية لمدينة غزة بالتزامن مع إطلاق نار من آلياته العسكرية
كما كل عام في السنوات الأخيرة، هناك شكوى من الطلاب الذين يتقدمون لامتحانات الثانوية العامة من صعوبات في بعض الامتحانات، لكن الغريب أن تصل الشكوى إلى أن هناك أسئلة يتفاجأ بها الطلاب من خارج الكتاب، وهذه الشكوى بدأت تتكرر في الأعوام الأخيرة.
الشكوى لم تصدر من قبل طالب أو اثنين، بل من قبل عدة طلاب وطالبات نقلت وزارة الإعلام بكاء لعدد منهم وأثار هذا الأمر جدلاً في وسائل التواصل الاجتماعي وصل لوزارة التربية والتعليم والتي اضطرت إلى أن تنشر توضيحاً ما تقول فيه إنها ستأخذ بعين الاعتبار شكوى المتقدمين للامتحانات.
فلسطين من أوائل الدول التي اهتمت بالتعليم، ونحن من جيل تقدم لامتحانات المرحلة الثانوية العامة قبل ثلاثة عقود، وكانت الأمور تسير بشكل ليس كما يحدث حالياً لا من حيث المنهاج ولا الامتحانات ولا توزيع العلامات التي تطرح شبهة ما، حيث عدد كبير من الرسوب وعدد كبير يصل حد الدهشة في علامات النجاح والتي يتسابق فيها العشرة الأوائل فوق 99% وهذا بات لافتاً.
في عصرنا، كانت الأمور أكثر هدوءا، ولا أحد يحصل على 99% بل كان توزيع نسب النجاح على النسب المئوية الطبيعية قليلا جدا في مستوى التسعينيات وكذلك ربما في الثمانينيات ونسبة أكبر في السبعينيات والستينيات والقليل من الراسبين، أما الآن فالنسبة أصبحت غير مفهومة وحادة وتتوزع بتطرف بين النجاح المدهش والرسوب المدهش أيضاً.
ماذا يعني أن يقول عدد ما من الطلاب والطالبات إن الأسئلة من خارج الكتب؟ الأمر لا يقتصر على حالات فردية معدودة على أصابع اليد بل بات الأمر أشبه بظاهرة. وهناك ما يدعو للتفكير بتلك الظاهرة لأن المسألة باتت تصاحب كل نهاية عام وبحاجة إلى توقف عندها فمن أين تأتي الأسئلة إذا كان هناك من ينكر خلو الكتاب منها؟
السمة البارزة بعد نشوء السلطة الوطنية كظاهرة أصبحت مصاحبة لـ»التوجيهي» وهي الدروس الخصوصية. فالآن بعد أن ينتهي الطالب من الصف الثاني الثانوي يبدأ منذ الصيف البحث وحجز مكان في مجموعة لدى أستاذ خصوصي، والغريب أن الأساتذة يبدؤون تدريس المادة أثناء إجازة الصيف وقبل أن يبدأ العام الدراسي، والأكثر غرابة في الظاهرة أن الطلاب الأوائل أيضا باتوا يعتمدون على الدروس الخصوصية حتى الأكثر ذكاء والأكثر اجتهاداً ومواظبة.
هذه وحدها يفترض أن تشكل فضيحة لوزارة التعليم، فلماذا بات الطلاب يعتمدون على الدروس الخصوصية؟ هل المدرسون الذين تعينهم الوزارة فاشلون في توصيل المادة التعليمية وهي بالكاد أكثر قليلاً من مائة صفحة على امتداد تسعة أشهر؟ وما هو دور المدرس في المدرسة إذا كان لا يكفي لشرح المادة وتأهيل الطالب لاجتياز الامتحان معتمدا على أداء المدرس طيلة العام الدراسي؟ وبالمقابل، هل أصبح طلابنا أغبياء لدرجة أنهم لا يستطيعون فهم المادة التعليمية في المدرسة وبحاجة إلى مدرس خصوصي آخر يعيد شرحها لهم مرة ثانية؟، فقديماً، لم نكن نسمع عن دروس خصوصية وان كان ذلك فقط للطلاب الراسبين أو الأغبياء أو الحالات المرضية الخاصة التي بحاجة إلى مساعدة، ولكن أن ينضم الناجحون والأوائل لها فتلك بحاجة لوقفة ليس فقط من الوزارة بل من المجتمع وهي تطرح السؤال الكبير ماذا يفعل المدرسون على مدار العام إذا كان الطالب بحاجة لمن يشرح له الكتاب خارج المدرسة؟ وأن يضطر الطالب لأن يدفع مبالغ ليست قليلة في مجتمع لا يحتمل تلك المدفوعات لمعظم الأسر الفلسطينية وهي أسر بسيطة متوسطة الدخل.
المأساة أنه لم يكن في عهد الاحتلال شيء اسمه الدروس الخصوصية بل كنا نسمع عنها في المجتمعات الفاسدة والتعليم الفاسد والتدريس الفاسد، أما لدينا لم تكن هذه الظاهرة وكان التعليم أكثر اتزاناً وتخرج آنذاك ممن يتسيدون الآن علمياً في الطب والهندسة وأساتذة الجامعات وممن حصلوا على جوائز كثيرة في مجالاتهم، تلك المقارنة يجب أن تشكل أزمة لوزارة التربية والتعليم وللحكومة بمجرد ذكرها.
هنا، ربما ما يحل لغز بكاء طالباتنا. فليس من المعقول أن يتفاجأ الطلاب بأسئلة خارج الكتاب لأنه فقط لا تكون الأسئلة من خارج ما يتم تعليمه في الصفوف إلا لدى التعليم الخصوصي. وبالتالي، هنا ربما نقع على ما يرشدنا إلى المسألة وربما أقول إن أساتذة الدروس الخصوصية هم أنفسهم من مدرسي الوزارة وربما أنهم هم من يعهد اليهم بوضع أسئلة الامتحانات، وهنا، فإن الأساتذة ربما يضعون أسئلة لشروحات قدموها في الدرس الخصوصي ولم يمروا عليها أثناء التدريس النظامي.
هنا، ربما أيضاً تصبح الامتحانات سهلة على الطلاب الذين يتعلمون في الدروس الخاصة فيما يفشل الطلاب الذين لا يعتمدون عليها في حياتهم، وهنا، يصبح الأمر له طابع تجاري تسويقي.
المسألة الأخرى أن ترد شكوى الطلاب وتوضيح الوزارة بأن هناك أسئلة غير مباشرة، فإن فشل الطلاب في التعامل معها يكشف عمق أزمة فلسفة التعليم برمته، تعليم النقل وليس العقل، فأي تعليم يفشل فيه من اجتاز اثني عشر عاما تعليميا ولا يستطيع الإجابة بشكل غير مباشر. فقط هو تعلم الحفظ لا أكثر وتلك مأساة تكفي وحدها لإعادة النظر بكل العملية التعليمية من جذورها.
الأمر بحاجة ليس فقط لبيان من الوزارة لإعطاء وعود للطلاب بأخذ بكائهم ودموعهم بالاعتبار في التصحيح، بل بحاجة للجنة تحقيق للوقوف على الأمر، ولكن أغلب الظن انه لن تستوي المسألة طالما أن التعليم الذي تديره الحكومة والموازنة التي تنفقها لا تكفي لتعليم طلابنا بل هم بحاجة إلى مساعدة خارج المدرسة تلك وحدها قصة لا تدعو للفخر.