تحت جنح جائحة كورونا يعمل بنيامين نتنياهو على تطبيق بقايا صفقة القرن. فالعالم يعيش مرحلة فيروسية أصابته في الصميم، لكن فيروس الاستيطان يبدو أقوى من فيروس كورونا لدى نتنياهو، لذا فهو يعمل على الترويج لضم المستوطنات والأغوار وشمال البحر الميت. ويمكن ملاحظة طائرة تصوير احتلالية وهي تمسح المناطق المختلفة في الضفة لوضع خرائط وفقا لرؤية ترامب في الصفقة التي ستنتهي بتصفية القضية الفلسطينية، ثم تأتي مرحلة تصفية السلطة الفلسطينية لاحقا لتتخذ شكل الحكم الذاتي المؤبد والمؤيد للاحتلال.
رئيس وزراء الاحتلال كرر مرارا أنه واثق تماما من أن الرئيس ترامب سيؤيد خطوة الضم وأنه لن يكون هناك حليف مثله في البيت الأبيض ويريد انتهاز فرصة انشغال العالم بجائحة الفيروس المستجد لوضع اللمسات الأخيرة على صفقة القرن، وهم على يقين أن العالم لن يتخذ أية خطوات مضادة لا دوليا ولا عربيا ولا فلسطينيا، فالمرحلة سقيمة ويسيطر عليها كابوس كورونا وإخوانه من الفيروسات المنتظرة كما يتنبأ العلماء. وإذا كان هناك خلاف بين طرفي الحكومة الإسرائيلية المنتظرة أي نتنياهو- جانتس حول الضم فهو خلاف شكلي، لأن الجنرال جانتس يؤيد الضم ولكن بطريقة تدريجية، بحيث لا تثير الرأي العام الدولي من جهة، ولا تؤثر على معاهدات السلام مع الأردن ومصر وكذلك محاولة التفاوض مع الفلسطينيين من جهة أخرى، بينما يرى نتنياهو أن الرأي العام الدولي ليس مهما وأن تهديدات أوروبا لا تعنيه لأن المهم هو الموقف الأمريكي المؤيد. الوزير الأمريكي بومبيو اعتبر الضم مسألة داخلية إسرائيلية، بمعنى أنه يؤيد، وكررت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية هذا المعنى، لكنها اضافت أنه بموجب رؤية الرئيس ترامب يجب التفاوض مع الفلسطينيين.
بالطبع لا يوجد ما يمكن التفاوض عليه بعد مصادرة اغلبية الضفة والقدس وشطب قضية اللاجئين، اللهم الا الموافقة الفلسطينية على تصفية قضيتهم والقبول بحكم ذاتي منزوع الصلاحيات وإلغاء المشروع الوطني الفلسطيني بإقامة دولة فلسطينية. وبالطبع يعلم نتنياهو أن الرئيس ترامب الذي تعثر في مواجهة تفشي فيروس كورونا في بلاده وخسر الكثير من شعبيته بالإدلاء بدلوه في قضايا علمية وطبية أحدثت ضجة بين الخبراء كتناول المعقمات للقضاء على الفيروس أو تحريضه مؤيديه على عدم الانصياع لقيود حظر التجول في الولايات التي يحكمها ديمقراطيون، وكأنه يدعو الى حرب أهلية، وكذلك هفواته المستمرة التي تعبر عن جهل في الشأن العام عندما طلب من لجنة جائزة نوبل إلغاء الجوائز التي منحتها لصحفيين أمريكيين ينتقدونه، وهو هنا يخلط بين جائزة بوليتزر الصحفية الأمريكية وجائزة نوبل السويدية، بل كتب كلمة نوبل في تغريدته على تويتر ثلاث مرات بأخطاء مختلفة. ولعل رئيسا ضحل المعرفة والاطلاع بهذا الشكل يحتاج الى دعم اللوبي اليهودي الانجيلي الصهيوني . لكن المفارقة هنا هي أن معارضة غانتس للضم بالطريقة التي يطرحها نتنياهو قد تؤدي الى انفراط عقد حكومة الوحدة بينهما، لأن نتنياهو سيجد أن حلفاء جانتس وهما لبيد ويعلون مستعدان لتأييده، وسيكون في غنى عن جانتس الذي فكك تحالفه وجعل شريكيه السابقين يتقربان من معسكر اليمين نكاية بخيانته لشعاره بعدم الدخول في حكومة رئيس وزراء متهم بالفساد. وفي واشنطن نرى أن الرئيس ترامب يعمل جاهدا ربما لتأجيل الانتخابات الأمريكية بحجة جائحة الفيروس، وقد أشار المرشح الديمقراطي بايدن الى هذا الاحتمال. فالعالم على كف فيروسي سواء كان فيروس كورونا أو فيروس الضم أو فيروس التمسك بالحكم من جانب نتنياهو وترامب.