أدق وصف لتفاصيل صفقة القرن أنها وإن تحاشت ذكر ذلك صراحة إلا أنها خطة عبودية إجبارية مطلوب من الشعب الفلسطيني داخل فلسطين الموافقة عليها. فالخطة تقسم الضفة إلى ست مناطق منعزلة بطريقة لا يمكن التواصل الجغرافي بينها إلا بالمرور من مفارق طرق يسيطر عليها الاحتلال. عراب الصفقة الخزري كوشنر اعترف بذلك، وزعم أنه سيحاول مع الإسرائيليين خلق تواصل جغرافي، لكنه قال: إن ذلك يبدو صعبا. وهي تشبه المعازل التي أقامها نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا الذي تأسس سنة ١٩٤٨ مع الكيان الصهيوني. واقتصرت المساحة للأفارقة أصحاب الأرض على 13 بالمئة من الأرض الخالية من مقومات الخصب والحياة، مثلما صفقة القرن تمنح اليهود 89 بالمئة من مساحة فلسطين وتبقي لأصحاب الأرض 11 بالمئة، أي أقل مما منحه العنصريون البيض للأفارقة.
صفقة القرن في المجمل هي الحل الصهيوني للمسألة الفلسطينية، مثلما كان الأوروبيون يبحثون المسألة اليهودية وطرق دمج اليهود في الدول الأوروبية، وأثاروا ما سمي في حينه بالمسألة اليهودية، وطالب المفكرون الأوروبيون من اليهود التخلي عن النعرة الدينية حتى يمكن الدمج في مجتمعات أوروبية مدنية علمانية. لكن الحركة الصهيونية الناشئة في أواخر القرن التاسع عشر عارضت الدمج ودعت إلى إيجاد وطن قومي لليهود. ولاحقا في العهد النازي طرح النازيون حلين للمسألة اليهودية من منطلق أن الوجود اليهودي في ألمانيا يخلق مشكلة للدولة الألمانيه، فاقترح بعضهم إيجاد وطن لهم في أمريكا الجنوبية أو مدغشقر، وناقشوا دعم الحركة الصهيونية من وجهة النظر هذه، وكان القائد النازي إيخمان أشد المؤيدين لفكرة إقامة وطن لليهود في فلسطين، وساهم في تدريب وتسليح وتهجير شبان يهود بحرًا إلى فلسطين، وزارها ضيفًا على الوكالة اليهودية وخطب قائلا: إنه صهيوني. والغريب أن إيخمان هو الوحيد الذي طاردته إسرائيل واختطفته من الأرجنتين وحاكمته وأعدمته، وظلت تفاصيل محاكمته سرية حتى اليوم، ربما حتى لا يكشف تعاونه مع الحركة الصهيونية.
لكن المنظر النازي فون ليرس عارض فكرة إقامة وطن لليهود في فلسطين، لأن ذلك سيخلق مشاكل في المنطقة. ومع صعود هتلر رأى أن الحل يجب أن يكون نهائيًا للمسألة اليهودية، وهو طردهم من كل القارة الأوروبية، فبدأ في عزلهم وحرمانهم من حقوقهم، بينما كانت عدوته بريطانيا تمارس الأمر نفسه ضد الفلسطينيين في فلسطين لصالح اليهود المهاجرين. وفي النهاية ساق هتلر اليهود إلى معسكرات الإبادة والاعتقال.
ولا تختلف المناطق الفلسطينية في خارطة كوشنر عن معازل السود في جنوب أفريقيا، ويمكن تحويلها إلى معسكرات اعتقال منفصلة عن بعضها البعض، وتكون قابلة للتطهير العرقي مستقبلا أو الإبادة الجماعية، لأن الإبادة والتطهير العرقي مترسخان في الفكر الصهيوني واليمين الإسرائيلي الحالي مثلما ترسخا في فكر هتلر وحاليا في خطة كوشنر. كان هتلر يعتقد أن حل المسألة اليهودية بالخلاص من اليهود يسهل له الهيمنة على أوروبا، وحاليا نرى في خطة كوشنر تكملة للمشروع البريطاني المتمثل في وعد بلفور ومقاربة مع مشروع هتلر في أن الفلسطينيين عقبة أمام الهيمنة الصهيونية في المنطقة العربية. فمن بعد خطة كوشنر الهتلرية سيكون الطوفان الصهيوني على المنطقة.