أخبار متناثرة وتسريبات إعلامية متناقضة بشأن مصير صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، وحتى اللحظة لا يوجد أي تصريحاتٍ رسميةٍ من أي من الأطراف، تؤكد أو تنفي صحة التسريبات، وكل ما يصل مجرّد تصريحاتٍ دون مصادر رسمية؛ منقولة عن أطراف الحوار في القاهرة، وقد تكون هذه الجولة الفاصلة في معركة شد الحبل مع حماس، حيث يسعى نتنياهو المدعوم أمريكيا إلى توجيه ضربةٍ قاضيةٍ لحماس من خلال إنهاء حكمها في غزة وتدمير بنيتها العسكرية ودفعا للاستسلام ورفع الراية البيضاء.
يراهن نتنياهو على قوته العسكرية، وعلى ما حققه من انتصاراتٍ في الميدان، وعلى التفاف غالبية الشارع الإسرائيلي على هدف القضاء على حماس، منعًا لتكرار سيناريو السابع من أكتوبر، وما يدفعه للتمسك أكثر في خيار المضي قدمًا في الضغط العسكري وتكثيف الضربات؛ هو عدم وجود تضامن حقيقي مع الأسرى الاسرائيليين، وتقبل غالبية الشارع الاسرائيلي لقرار عدم إعطاء حماس أي صورةٍ للنصر، وهذا ما يدفع للاعتقاد بأن نتنياهو ليس في عجلةٍ من أمره، وأنه سينتظر القادم الجديد للبيت الأبيض، وأنه لن يمنح بايدن في أيامه المتبقية في البيت الأبيض أي انجازٍ يُذكر.
يعلّق الغزيون المنهكون آمالًا كبيرةً على هذه الجولة من المفاوضات، ويعتبرونها الحاسمة لوقف إطلاق النار قبل وصول الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض، ومنبت هذا التفاؤل ما يدور من حراكٍ في القاهرة والدوحة، وما سبقه من اجتماعاتٍ بين فتح وحماس، وضعت أسس ما يعرف باليوم التالي للحرب.
حماس وفتح رغم الخلاف على جوهر وشكل اللجان التي ستقوم بإدارة غزة في اليوم التالي، إلا أن هناك قاسم مشترك يجمع الطرفين؛ يتمثل في رفض نتنياهو لخيار حكم أحدهما لغزة في اليوم التالي، حيث عبّر وبصريح العبارة بأنه لا "فتحستان ولا حماستان" في غزة.
ورغم أن الوسطاء يبذلون جهودًا مضنيةً من أجل جسر الهوة بين الطرفين، إلا أن الفجوة لا زالت واسعة، حيث يحاول الوسطاء تقريب وجهات النظر ومحاولة طرح صيغٍ مقبولةٍ تسهم في خروج الاتفاق لحيز التنفيذ قبل جلوس ترامب على كرسي الرئاسة في المكتب البيضاوي.
بحسب ما يتم تسريبه من معلومات، فإن الخلاف يتمحور حول جملة من القضايا، في مقدمتها قيام حماس بتسليم قائمة بأسماء الأسرى الإسرائيليين الأحياء، والاتفاق على الأعداد التي سيتم إطلاق سراحها من الأسرى الفلسطينيين، يضاف لهذا اشتراط حماس بضرورة إنهاء الحرب والسماح للنازحين بالعودة للشمال، مع الانسحاب من محوري نتساريم و فيلادلفيا، الأمر الذي لم توافق عليه اسرائيل التي تسعى إلى إعادة انتشار جيشها في القطاع، مع آليةٍ لتفتيش العائدين إلى شمال غزة، مع تحفظاتٍ اسرائيليةٍ على أسماء بعض الأسرى الفلسطينيين الذين وصفتهم بالخطيرين على أمنها.
وفي ضوء ما يجري، هناك تبادل للاتهامات بين الطرفين، حيث يرى كل طرفٍ أن الطرف الآخر هو المعطل لإنجاز الصفقة، فحماس تقول بأنه لا يوجد تجاوب من قبل اسرائيل بالرغم من انها أبدت
مرونة عالية من أجل إعطاء فرصة لوقف الحرب، وهذا ما أكدته وكالة (رويترز)، ووفقًا لمعلوماتٍ منسوبةٍ لقيادي من حماس مفادها أن حماس، وفي مسعاها لوقف العدوان، وافقت على قائمةٍ تضم 34 أسيرًا قدمتها إسرائيل للإفراج عنهم في صفقة وقف إطلاق النار، لنزع فتيل الأزمة، وتمهيد الطريق للوسطاء لممارسة ضغط أكبر على اسرائيل، بينما تدعي اسرائيل بأن ما يعطل الصفقة هو رفض حماس تسليم قائمة بالأسرى الأحياء، مع رفضها إدراج عددٍ من الجنود الإسرائيليين في الدفعة الأولى، باعتبار أن الشروط تنطبق عليهم.
يرى بعض المتابعين لما يحدث أن نتنياهو يحاول تعطيل الصفقة من أجل إطالة عمر ائتلافه الحكومي، لكسب المزيد من الوقت لتدمير ما تبقى من قطاع غزة، وأنه فوّت أكثر من فرصة لاستعادة الأسرى أحياء، ولكنه لم يفعل لاعتباراتٍ خاصةٍ به، ويؤكد هؤلاء على ضرورة قيام إسرائيل بدفع ثمن ما لقاء عودة الأسرى إلى منازلهم، وأن الضغط العسكري يمكن أن يضيع فرصة أخرى لعودة الأسرى في المدى القريب، وربما تتحول عودتهم إلى أمرٍ مستحيلٍ في ظل القصف والدمار الذي تحدثه اسرائيل في المنازل، وفي ظل التعليمات الجديدة التي قامت بتصديرها كتائب القسام للآسرين وكيفية التعامل مع الأسرى في حال اقترب الجيش الاسرائيلي من الأماكن المحتجز بها الأسرى، ويؤكد هؤلاء أن على نتنياهو دفع ثمنًا ما كي تصل الصفقة لمحطتها النهائية قبل فوات الأوان، وما دون ذلك ستبقى الأمور تراوح مكانها.
نتوقع أن يواصل نتنياهو وهو في موقع القوي حربه على غزة، وبشكلٍ أعنف في شد الحبل على رقبة حماس، لكسب المزيد من التنازلات.