الكوفية:هناك نشوة في إسرائيل لم تعشها منذ بداية الحرب، بوصولها للرجل الذي تطارده منذ ثلاثة عقود تكون إسرائيل قد وجهت الضربة الأكثر إيلاماً لحزب الله لكن شظاياها وصلت أبعد كثيراً من الحزب، وهي ضربة معنوية وصلت أصداؤها لكثير من العواصم التي اهتزت مع الرجة التي تعرضت لها الضاحية الجنوبية.
حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله الرجل الأبرز في المنطقة والذي شاغل إسرائيل لعقود جاءه الأمين العام للجامعة العربية الدكتور عمرو موسى ذات مواجهة قدم فيها ما يستحق إعجاب العرب.
تلك المواجهة التي تركت ندبة في تاريخ إسرائيل، هو الذي حرر ما كان محتلاً من أرضه بقوة السلاح اللغة التي فهمتها إسرائيل، وكسر قدمها حين فكرت بالدخول البري لبلاده وظل يشكل هاجساً لدوائر أمنها والاسم الدائم في تقارير الأمن القومي والتهديدات المحيطة.
كيف حدث ذلك وتمكنت إسرائيل من الوصول ؟ كيف يكون الرجل الأخطر موجوداً في مقر الحزب المعروف لكل العالم وأولهم إسرائيل ؟ ما الذي حدث للحزب حتى يتعرض لكل هذه الضربات وهو أقوى بما لا يقاس بما كان العام 2006.
أسئلة كثيرة يطرحها المتابعون وهم يراقبون قدرة إسرائيل على الوصول لما وصلت إليه.
اغتالت إسرائيل قادة ميدانيين ووصلت إلى رئيس الأركان فؤاد شكر، وبعده وصلت للرجل الذي احتل مكانه إبراهيم عقيل وكل قيادة فرقة الرضوان، العمود الفقري للقوة المسلحة لحزب الله، وها هي تعلن الوصول للأمين العام وعدد من قيادة الحزب ليبدو في لحظة هي الأصعب في تاريخه أنه بلا قيادة.
كيف حصل كل ذلك في معركة لم يخترها بل فرضها عليه أحد أطراف المحور بلا حساب ليجر على نفسه ومحوره كل تلك الخسائر. فالأمين العام لحزب الله هو درة التاج والذي لا يمكن تعويضه بسهولة، فرمزية الرجل أكبر كثيراً من أن يصل إليها أحد وقد صُنعت بالانتصارات في منطقة لم تعرف سوى الهزائم.
لماذا كان أداء حزب الله العام 2006 أقوى وأكثر صلابة من أدائه في هذه الحرب رغم أن دوره كان مجرد إسناد ؟
في العام 2006 لم تكن إسرائيل تأخذ بجدية تهديدات الحزب معتقدة أنه اكتفى بانتصار أيار 2000 عندما نجح بإخراج الجيش الإسرائيلي من الجنوب وانشغل بالوضع الداخلي بوجوده في الحكومة لكنه كان يحضر نفسه بالسر وهو ما فاجأ إسرائيل.
لكن الحرب السابقة أضاءت كل الأضواء الحمر في تل أبيب التي وضعت بعدها كل إمكانياتها العسكرية والاستخبارية والتكنولوجية لمراقبة ومتابعة تفاصيل التفاصيل لدى الحزب وأرض لبنان وسماء لبنان وشوارع لبنان واختراق لبنان بكل ما تملك من قوة والتركيز على النفاذ لحزب الله باعتباره التهديد الأكبر على إسرائيل، هذا لم ينتبه له الحزب وكذلك الأمر مع إيران التي تعرضت لضربات كبيرة تعكس نفس التركيز.
ذلك ينطبق إلى حد ما على حركة حماس التي فاجأت إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي معتقدة أنها مشغولة بالحكم، تشبه رؤية وتقييم إسرائيل لها مثل الحزب قبل الحرب التي جرت قبل ثمانية عشر عاماً قبل أن تركز إسرائيل كل إمكانياتها كدولة تكنولوجية في سبيل معركتها القادمة مع الحزب والتي جاءت من غزة.
منذ عقود يجري تداول مصطلح التوازن الإستراتيجي مع إسرائيل وكلما تقدم العرب خطوة تتقدم إسرائيل أبعد. فهذا الفارق الذي ظهر في هذه الحرب يحتاج إلى قراءة من نوع مختلف لكن الأهم أن البيئة العربية سياسياً واجتماعياً أبعد من قدرتها على صناعة هذا التوازن الذي تم اختصاره بالسلاح وهي ليست منتجة له بأجياله، فيما العلم والقضاء والمجتمع بلا رعاية ولا عناية يسهل على إسرائيل اختراقه فمعظم من تساقطوا بسبب الحاجة للمال في دول شديدة الفقر وتلك حالة مجتمعات عربية يستولي فيها رجال السلطة على الثروات وحياة مرفهة فيما يكابد مواطنها للحصول على قوت يومه.
باغتيال الأمين العام لحزب الله الرجل الكاريزمي فقد المحور الشخصية الأكثر حضوراً والأكثر مصداقية وتأثيراً، فهي ضربة كبيرة تكمن شدتها فيما سبقها من ضربات تعرض لها المحور بدءا من أداء حركة حماس المتواضع وقدرة إسرائيل على اجتياح كل مناطق القطاع وإقامة محاور دائمة واغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس في إيران دون رد واغتيال رئيس أركان حزب الله وكثير من القادة، كانت إسرائيل تراكم نجاحات توجتها بالوصول للرجل الأهم في المحور، ما سيترك آثاراً معنوية ونفسية على باقي مكوناته.
الخسارة كبيرة في غياب الأمين العام لحزب الله لكن الأسوأ أن تسجل إسرائيل التي تقوم بكل هذه الإبادة هذا القدر من النجاح الكبير لتعيش هذه النشوة ويعيش خصومها كل هذا الانكسار.
كيف بدأت القصة ومن قاد الوضع إلى هذا ؟ إسرائيل تجهزت لكل هذا منذ ثمانية عشر عاماً، هذا كان يجب أن يخضع للحساب قبل المغامرة وكل تلك الخسارات.
إسرائيل تسجل اختراقات لكن هل تحسم تلك معاركها ؟ المعركة الكبرى مع الشعب الفلسطيني، حين تنتهي الحرب ستقف أمام الحقيقة وتكتشف أن لديها كل تلك الملايين على أرضهم وتعجز عن إيجاد حل لتلك المعضلة الكبرى.