الكوفية:مرة أخرى تعيد الولايات المتحدة تقديم عرضها المكرر حد الملل، وجديدها الذي يشبه قديمه باقتراح وقف إطلاق نار جديد هذه المرة اتسع ليشمل لبنان والتي فشل موفدها عاموس هوكشتاين على مدى العام الماضي من تحقيق أي تقدم فيه، ليس سوى لأن الولايات المتحدة لا تريد إلا أن ترى الحقائق بعيون إسرائيلية.
منذ أيام يجري الحديث عن مقترح أميركي لوقف إطلاق النار. ويتسارع ذلك مع سفر رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى نيويورك لإلقاء كلمته في الأمم المتحدة فلا يجوز أن تستعر الحرب ويسافر رئيس الوزراء فهذا مخالف للعرف الإسرائيلي الذي يتطلب بقاءه.
وربما إذا ما شطحنا أكثر مع قدرات حزب الله التي تنشرها التقارير الإسرائيلية وقدرته على تغطية كل إسرائيل، أن تشتعل الحرب ويتوقف الطيران في الأجواء الإسرائيلية وتمنع طائرة رئيس الوزراء من الهبوط ستكون تلك فضيحة.
لذا خفف الجيش الإسرائيلي ضرباته خلال اليومين الماضيين بعد أن وصل الأمر إلى حافة الهاوية طبعاً وما زال يقف عندها.
هي نفس الملهاة التي تمارسها واشنطن وهي تعرف تماماً كيمياء المنطقة وكيف تتحرك، وتعرف أكثر أن الجميع يعرف أنها الذراع التنفيذية للحروب الإسرائيلية وللسياسات الإسرائيلية وللمفاوضات الإسرائيلية وللمقترحات الإسرائيلية.
ولم يعد الأمر بحاجة لخبراء التحليل كي يبحثوا عن الخيط الرفيع ليثبتوا ذلك بعد عام أبيد فيه قطاع غزة بشراكة أميركية كاملة.
المقترح الأميركي الجديد وبنوده العامة تتم صياغتها بما يتوافق مع نهاية تلبي المصالح الإسرائيلية بما يشبه الاستسلام لحزب الله، ورغم ذلك هو ليس الهدف الإسرائيلي الذي يراها فرصة لحسم الملفات في المنطقة مع بقاء الأمر في غزة مفتوحاً للحرب، ورغم معرفة الولايات المتحدة الدقيقة بأن المقترحات الباهتة التي تقدمها لن تلقى قبولاً، يبقى السؤال: لماذا تجتهد واشنطن بالتقدم بمبادرات وصفقات هدنة دون يأس على امتداد الأشهر الطويلة الماضية رغم إخفاقها.
هل هي دولة هامشية عندما تلقي الأطراف بمبادراتها كأن الأمر لم يكن ؟ فهي القوة الأكبر في العالم وليس من السهل أن تضع هيبتها على المحك كل شهر إلا إذا كان الأمر غير ذلك ويحتمل تقديرين: الأول إما أنها تتقدم بمبادرات إسرائيلية بحتة تضعها إسرائيل كما حدث في أيار الماضي حين تمت الصياغة من قبل رئيس الموساد دافيد برنياع ورئيس المخابرات الأميركية وليم بيرنز وعندما يرفضها الطرف المقابل تعيد إسرائيل تعديل مبادرتها وتقدمها الولايات المتحدة مرة أخرى، وإذا قبلها الطرف المفاوض تتراجع إسرائيل لتطلب المزيد من التنازلات كما حدث مع حركة حماس خلال الأشهر الماضية.
والثانية أن تلك المفاوضات تشكل غطاء مريحاً للجرائم الإسرائيلية. فإسرائيل مستمرة في ارتكابها وعند السؤال عن وقف الحرب كأن الولايات المتحدة تقول لن يحل الأمر في مجلس الأمن أو المؤسسات العربية والإسلامية والدولية بل إن واشنطن من يقوم بهذا الأمر مع الأطراف، وهذه عملية تسكين ماكرة للغاضبين من الإبادة وأفضل تبرير لكل الذين فشلوا في وقفها بمنطق أن الأمور تسير وها نحن قاب قوسين أو أدنى من وقف الحرب.
ومن يسأل كيف استمرت الحرب لعام كامل ؟ تحت غطاء المفاوضات وتفاؤل العرب والمسلمين والمجتمع الدولي وبتسليم الفلسطينيين الحالمين كعادتهم على أن النهاية تتعلق ببند هنا أو تنازل صغير هناك أو مرونة هامشية لن تخل بالنص، وغير ذلك من التصريحات التخديرية التي جرجرت الناس في الخيام والمجاعة ليطحنوا علف الحيوانات وموت بلا توقف ولو لم تكن تلك الملهاة الأميركية ربما لكان رد الفعل العربي والدولي أكثر جدية رغم انعدام الأمل.
لو انتهت الحرب على قطاع غزة وتوقفت عند هذا الحد وبقيت قوة حزب الله فتلك لن تشكل نهاية سعيدة في تل أبيب. فقد شكل السابع من أكتوبر نموذجاً دق أجراس الخطر في إسرائيل واتجهت العيون إلى قوة حزب الله مع توفر الفرصة التي لن تتكرر لإزالة هذا التهديد لا جعله كامناً؛ لأنها تعتقد إذا ما استثمرت اللحظة الحالية فلن تتكرر مناخاتها المؤهلة لحرب كبرى تجر معها واشنطن لضرب خصومها في المنطقة، فحاملات الطائرات أصبحت على مقربة ولأول مرة تترك فيها شرق آسيا بلا حاملات طائرات أميركية فلماذا تفوتها.
الولايات المتحدة بعد الاستعراض الإسرائيلي التكنولوجي الدامي في لبنان تظن أن الحزب جاهز للنزول عن الشجرة، دون أن تدرك شروط النزول التي لن يقبل الحزب بأقل منها وهي وقف الحرب على غزة، وهو استعصاء الشهور الماضية الذي تجسد فشله في المبادرات الأميركية حيث الاستعصاء الكبير حيث لن تقبل حماس صفقة دون أن تنهي الحرب ولن تقبل إسرائيل صفقة تنهي الحرب. هنا كلمة سر الأزمة التي لا يبدو أن هناك حلاً لها.
وبينما تجري اجتماعات مكثفة واستدعاء للاحتياط وهو أكثر جدية من المفاوضات التي ستضع حزب الله في حالة خلاف مع الدولة اللبنانية غير المعنية بالربط مع غزة. التحضيرات تجري على قدم وساق تحضيراً لعودة نتنياهو من نيويورك، حزب الله تلقى ضربات مؤلمة ما شجع إسرائيل للتصعيد خاصة أن ردود الفعل لم تكن بمستوى المذابح التي ارتكبتها وخاصة مذبحة جهاز الاستدعاء ولكن الضربات لم تشل الحزب ولن يبقى أمامها غير الهجوم البري.
هنا ستنتقل المعضلة لإسرائيل المتفوقة جوياً وتكنولوجياً لكن في البر ومع حزب الله وفي جغرافيا متوحشة الأمر يختلف. وكانت التجربة البارزة العام 2006 التي اضطرتها مرغمة آنذاك للتنازل عن حلم الشرق الأوسط الجديد ووقف إطلاق النار ..!.