- مستوطنون بحماية قوات الاحتلال يقتحمون البلدة القديمة في الخليل
للمرّة الأولى منذ قيامها العام 1948، تواجه إسرائيل حرب استنزاف طويلة مكلفة، بخلاف العقيدة التي بني عليها الجيش الذي اعتمد شنّ حروبٍ خاطفة يبادر إليها، واعتماداً على أعداد أقلّ من الجنود، وكثافة أكبر من النيران، مع دور حاسم للطيران، ومنظومة دفاعية متعدّدة الطبقات.
الحرب الإجرامية تقترب من إقفال عامها الأوّل، دون أُفق قريب لتوقّفها انطلاقاً من رؤية إسرائيلية، تقوم على انتظار نتائج الانتخابات الأميركية ما يعني ستّة أشهر أخرى على الأقل.
حتى اليوم، وإلى أن تظهر نتائج الانتخابات الأميركية، ودخول الرئيس القادم إلى البيت الأبيض، وتوفّر قدرته على اتخاذ القرارات، سيظلّ بنيامين نتنياهو قادراً على التلاعب بالإدارة القائمة، وجرّها إلى المساحات التي يخطّط لها، دون الخوف من أن تتوقّف إدارة بايدن، عن تقديم كل الدعم اللازم لدولة الاحتلال.
الأطراف المنخرطة في الحرب، تتمترس حول أهداف لا يبدو أنّها قادرة على تجاوزها. "حماس" تتمسّك برؤيتها لأيّ حلول أو مبادرات تؤدّي إلى صفقة التهدئة، أو أن ترفع الراية البيضاء، بعد الأثمان الباهظة التي دفعها ويدفعها الفلسطينيون في قطاع غزّة، والضفة الغربية.
"حزب الله" اللبناني هو الآخر، ربط دوره بجبهة غزّة، ومن موقع الإسناد، ثمّ أضاف هدفاً آخر، يتصل بالدفاع عن لبنان، الذي تستهدفه دولة الاحتلال وتكثّف قصفها للمدنيين، بما يتجاوز جنوب لبنان، ويصل إلى العاصمة بيروت، وبعلبك، بالإضافة إلى عمليات الاغتيال، التي لا تتوقّف.
دولة الاحتلال بدورها، صعّدت أهدافها، فلم تعد فقط مرتبطة بالقطاع والقضية الفلسطينية، وإنّما زادت عليها، القضاء على قدرات الحزب وإبعاده عن الحدود الشمالية، وتأمين مستوطناتها ومدنها المتاخمة للجنوب اللبناني. الأسلوب ذاته اعتمده جيش الاحتلال تجاه الجنوب حيث يخترق الهواتف المحمولة، ويطالب سكّانه، بمغادرة منازلهم تحت ضغط القصف الجوّي الكثيف والعنيف والمتواصل.
بحسب الحكومة الفاشية الإسرائيلية، فإنّ منطقة نهر الليطاني تعتبر حدود الدولة العبرية الشمالية، وأنّ على الحزب الابتعاد عنها بحسب الناطق باسم الحكومة.
تدرك دولة الاحتلال أنّ إبعاد الحزب عن الحدود وهو أمر من غير المحتمل أن يحصل، لا يمكن أن يحقق الأمن لمستوطناتها، ذلك أن الصواريخ يمكنها أن تتجاوز هذه الحدود الجغرافية 10 كلم، ما يؤشّر على أنّ الهدف الإسرائيلي ربّما يعني احتلال جنوب لبنان.
الإدارة الأميركية تكذب، حين تواصل الحديث عن أنّ ثمّة مجالاً لمعالجة الأوضاع، ومنع توسّع الصراع من خلال الدبلوماسية، فهي لا تستطيع تقديم مبادرات، تحقّق اختراقاً، يتجاوز حالة الاستقطاب الصعبة، فيما يتعلّق بأهداف الأطراف المختلفة.
ما يظهر على السطح هو أنّ الإدارة الأميركية، التي تقول إنها تتفهّم السياسة الإسرائيلية، و"حقّها في الدفاع عن نفسها"، تواصل استخدام قوّتها العسكرية، ونفوذها، لضبط جغرافية الصراع، وتأمين الغطاء لحكومة نتنياهو، التي لن تتوقّف عن توسيع دائرة الحرب، وإدامتها إلّا بإعلان "حزب الله" والمقاومة الفلسطينية، الاستسلام وهو أمر لا يمكن احتماله.
في النهاية، لا يمكن احتمال تهدئة الصراع الجاري، إلّا بانتصار حاسم لطرف على الأطراف الأخرى، سواء انتهى الأمر، بتسوية ما، أم انتهى بطرقٍ حربية.
الأمر مرتبط إذاً بالإدارة الأميركية القادمة التي ستتدخّل بقوّة لوقف الحرب الإبادية، فقط حين تتعرّض مصالحها، لخطرٍ حقيقي، أو لإنقاذ دولة الاحتلال، إن أدركت أنّها تقترب من الهزيمة.
كانت دولة الاحتلال قد تصرّفت كل الوقت عن حساب مفتوح قبل أن يعلن الحزب، دخوله مرحلة الحساب المفتوح، الذي يعني تجاوز معادلة وضوابط الاشتباك المعمول بها حتى الآن وبعد أن تجاوزت كل الضوابط.
وتكذب دولة الاحتلال حين تدّعي أنّها لا ترغب ولا تعمل على توسيع دائرة الحرب الدموية في الاتجاه الإقليمي، وهي بذلك، لا تضلّل "محور المقاومة"، وإنّما تضلّل الإدارة الأميركية، والمجتمع الدولي.
في مجريات الحرب الإجرامية، خلال الأيّام العشرة الأخيرة، التي بدأت خلالها دولة الاحتلال تقول إنّها تقوم بضربات استباقية، لا يزال الحزب يعمل وفق رؤيته وخططه لإدارة المعركة.
الحزب وسّع دائرة الاستهدافات، بحيث وصلت إلى تل أبيب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي، على الأرجح أنّه يحمل رسالة، لإظهار ما يملكه من قدرات، وأيضاً، أنّه قد يدخل تل أبيب، وما بعدها ضمن دائرة استهدافاته، ربما تكون الخطوة المقبلة بالنسبة له، استهداف منشآت اقتصادية، وبنى تحتية ومدنية، بعد أن ظلّ يحصر ردّه باستهداف قواعد عسكرية.
الدولة العبرية، تتعمّد استهداف قواعد الحزب ومنصّات إطلاق الصواريخ، وتتجاوز ذلك، إلى استهداف المدنيين، وبيروت العاصمة، بالإضافة إلى الاستمرار في محاولات اغتيال المزيد من قادته.
الادّعاءات الإسرائيلية متضاربة، فالبعض يتحدّث عن أنّ الجيش نجح في تدمير نصف القدرات العسكرية للحزب، والبعض الآخر يكذب هذه الادّعاءات، والأمر كلّه مرتبط بالحرب النفسية الفاشلة التي تقودها الحكومة الفاشية الإسرائيلية.
يقول جيش الاحتلال إنّه اعترض بنجاح الصاروخ الباليستي، وإنّه أغلق هذه الدائرة، واستهدف القاعدة التي انطلق منها الصاروخ، لكن هذا الادّعاء لا يخفي الارتباك الشديد الذي أحدثه لدى نحو مليون إسرائيلي، يدخلون الملاجئ تحسُّباً لوصول المزيد من الصواريخ في وقتٍ لاحق.
نتنياهو يغامر في إدخال العدد الأكبر من سكان دولة الاحتلال ضمن دائرة الاستهداف، وتعرّضهم للخطر، بعد أن كان يتحدّث عن أمن المستوطنين في الشمال. وحتى الآن لا توجد إشارات جدّية، على أنّ الاشتباك بالحدود التي تجري فيها الأوضاع، من أنّ الأمور تتجه نحو انفجار شامل للحرب في المنطقة، بما يشمل انخراط إيران فيها، ولكن دولة الاحتلال لا تزال تعمل على دفع الصراع إلى حدود أوسع.
يستطيع الطيران الحربي الإسرائيلي أن يقوم في لبنان بما قام ويقوم به في القطاع، لكنه بعد عام وبالرغم من العملية البرّية التي لا يزال يقوم بها جيش الاحتلال، فإنّه غير قادر على إحكام سيطرته على القطاع وتحقيق هدف تدمير قدرات المقاومة الفلسطينية، وتفكيك سلطة "حماس".
إذا كان هذا الدرس واضحاً لدى دولة الاحتلال بشأن لبنان، فإنّ المرجّح أن تنتقل الحرب التدميرية قريباً إلى مرحلة الدخول البرّي لجيش الاحتلال إلى جنوبه وإلّا فإنّ الانتصار بعيد المنال، وليس سوى القتل والتدمير، وارتكاب المزيد من الجرائم.