بينما يستقبل الفلسطينيون كل عام جديد بأدعية مشفوعة بالتفاؤل بعام جديد أفضل، يشكو وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، من عام يشكل تهديداً ملموساً لإسرائيل.
الفارق، ثقافي تاريخي، يعود إلى أصل الروايتين الفلسطينية عميقة الجذور في الأرض، والتراث والتاريخ، وبين ثقافة مصنوعة وقائمة على التزوير والكذب.
يطمئن الفلسطيني رغم عذاباته بسبب الاحتلال، بأن المستقبل لن يخذل التاريخ، وأنه سيشكل تواصلاً معه، بينما يسيطر الخوف والقلق على الإسرائيليين.
ربما يتفق البعض أو لا يتفق مع تفاؤل الرئيس محمود عباس في ختام كلمته أمام المجلس الثوري لحركة فتح، حين قال إنه متفائل أكثر من أي وقت مضى، بإمكانية قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ولكنه التفاؤل الذي يتميز بالتزامه العميق بحقوقه التاريخية المشروعة وبأن التاريخ قادر دائماً على تصحيح مسيرته، وتجاوز الالتواءات التي تقع على مسيرته، خلال حركته التقدمية.
متفائل الرئيس عباس رغم ما أشار إليه من شراسة الهجمة الصهيونية وتخاذل المجتمع الدولي، ويتشاءم لابيد، رغم قصائد الغزل في قدرة إسرائيل على تحقيق المزيد من الإنجازات والنجاحات، خاصة على مستوى التوسع في الإقليم، واستمرار الدعم الأميركي لدولته.
لابيد يخشى من أن إسرائيل تواجه حملات مكثفة لتصويرها كدولة «أبرتهايد»، معتبرًا ذلك، بأنه سيكون تهديداً ملموساً سيحظى بنقاش غير مسبوق من حيث سُمّيته ونشاطه الإشعاعي.
يتحدث لابيد عن الحملات الفلسطينية ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية في لاهاي وقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي شكل لجنة تحقيق دائمة في معاملة إسرائيل للفلسطينيين بما في ذلك عملية «حارس الأسوار» في أيار 2021.
إن كان تشكيل لجنة تحقيق من قبل مجلس حقوق الإنسان ليس الأول، فإن ما يقلق لابيد، هو أن قراره الأخير غير مسبوق لأن لجنة التحقيق غير محددة الوقت، ولا حدود لنطاقها وبأنها ممولة جيداً، ويعمل بها ثمانية عشر موظفاً.
في وقت سابق كان مجلس حقوق الإنسان قد شكل لجنة تحقيق برئاسة القاضي اليهودي الأصل غولدستون، لكن التقرير الذي أدان إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، بقي في الأدراج، بفعل فاعل، إنما لم يشر ذلك التحقيق إلى أن تلك الجرائم مرتبطة بسياسة الفصل العنصري الذي يشكل هوية إسرائيل.
الأوضاع بعد ذلك تغيرت، خصوصاً بعد موافقة الكنيست على تحديد هوية الدولة، من خلال قانون القومية، الذي يشدد على الهوية اليهودية للدولة، ويتجاهل المكون الفلسطيني أساساً والمكونات الأخرة التي تشكل نسبة مهمة من المجتمع الإسرائيلي، وهي نسبة فاعلة ذات دوافع وأبعاد قومية.
اختيار إسرائيل الدولة على طبيعتها اليهودية، ينطوي بحد ذاته على أبعاد عنصرية، لا يمكن لأحد تجميل مدى قباحتها، فضلاً عن أن قرار القومية، يشكل مرشداً وضابطاً للسياسة الإسرائيلية في تعاملها مع المكونات الأخرى، خصوصاً الفلسطينية.
الممارسات على الأرض التي تديرها الدولة، والمجتمع الاستيطاني العدواني المحروس من قبل الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، جاءت في كل تفاصيلها وتعبيراتها لتؤكد أن إسرائيل ماضية باستخدام القوة في اتجاه فرض الهوية اليهودية النقية.
هذه الممارسات، قدمت الدليل تلو الآخر، الذي يلفت انتباه المجتمع الدولي، نحو ربط تلك الممارسات بأبعادها العنصرية، ما جعل منظمة «هيومان رايتس ووتش» الأميركية، لاستخدام تعبير «الأبرتهايد»، في وصف تلك الممارسات.
لم تقف الأمور عند حدود ذلك وإنما اتسعت دائرة النظر للممارسات الإسرائيلية، بارتباطها مع الفصل العنصري، بحيث أصبح وصف إسرائيل دارجاً على غير صعيد.
يتحدث لابيد عن أثر حملة السلطة الفلسطينية والمنظمات المناهضة لإسرائيل تجاه ربط السياسات الإسرائيلية بـ «الأبرتهايد»، ويخشى أن يؤثر ذلك على قدرة إسرائيل على المشاركة في الأحداث الثقافية والرياضية الدولية من بين تحديات أخرى.
نعم ثمة كفاح فلسطيني لإدانة الممارسات الإسرائيلية الرسمية وشبه الرسمية، بحق الشعب الفلسطيني، ولإنكار إسرائيل، للحقوق السياسية للفلسطينيين، ولكنه يتجاهل أن الفلسطينيين لا يملكون أدوات التحريض والتأثير في تقارير مؤسسات دولية مثل «هيومان رايتس ووتش» لجعلها تبادر لوصف إسرائيل بدولة فصل عنصري.
وهل تملك السلطة والمنظمات المناهضة لإسرائيل، القدرة على التأثير في تقارير منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية «بتسيلم» التي بدورها تربط الانتهاكات الإسرائيلية بسياسة الفصل العنصري؟
لابيد يصف الاتهام بأن إسرائيل دولة «أبرتهايد» بأنه كذبة مقيتة، بينما كان عليه أن ينظر إلى الأسباب الحقيقية المرتبطة بالقوانين التي أقرتها الكنيست، وبطبيعة سياسات وممارسات الدولة، والتي تؤكد كل يوم أبعادها العنصرية، وإلا لما كان أشار إلى أن معالجة هذه القضية تستدعي فتح مفاوضات مع الفلسطينيين على أساس رؤية الدولتين.
كاذب هذا الرجل ومضلل، حين يقول إنه على قناعة برؤية الدولتين فيما يعلن في الوقت ذاته، أن فتح هذا المسار غير ممكن بسبب طبيعة التحالف الذي يقود الحكومة، وسيقوده في العام 2023، لأن يكون على رأسها.
هي محاولة لتبرئة الذات، غير ناجحة من قبل صاحب الكتلة الأكبر في التحالف الحكومي القائم، ذلك أن التحولات المرتقبة في إسرائيل خلال السنوات القادمة لن تحمل إلى الحكم قوى وأحزاباً مستعدة لفتح مسار المفاوضات على أساس رؤية الدولتين.
اليمين الإسرائيلي يجتاح المجتمع، وتجتاح المجتمع، أيضاً رؤية تفرض على المكونات السياسية الغرق أكثر فأكثر في اتجاه تعميق سياسات الفصل العنصري، وتصعيد الممارسات التطهيرية، والاستيطانية بحق الفلسطينيين.