- القناة 12 الإسرائيلية: إطلاق أكثر من 100 صاروخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل منذ ساعات الصباح
ميرفت عبد القادر: «اللي بدو يكتب عن فلسطين، واللي بدو يرسم فلسطين، بدو يعرف حاله ميت» بهذه الكلمات كان رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي يرثي نفسه، في عقله الباطن، موقنًا بالنتيجة الحتمية للدفاع عن الوطن، وأن كل خط يرسمه يقربه من النهاية.
فلسطيني واسع القلب، ضيق المكان، سريع الصراخ، طافح بالطعنات، وفي صمته تحولات المخيم، مفتوح على الساعات القادمة وعلى دبيب النمل وأنين الأرض، يجلس على سر الحرب وفي علاقات الخبز، خرج على العالم بإسم البسطاء ومن أجلهم، شاهرًا ورقة وقلم رصاص، فصار وقتًا للجميع.
يصادف اليوم التاسع والعشرين أغسطس/ آب، الذكرى الـ33 لاستشهاد ناجي العلي، ريشة فلسطين التي شقت طريق النضال على طريقتها، لترسم التشرد والمنافي والثورة والمقاومة وكيف يكون الأصدقاء والأعداء والانتهازيين للقضية.
ولد ناجي سليم حسين العلي عام 1938 في قرية الشجرة الواقعة بين الناصرة وطبريا، اضطر بسبب إرهاب العصابات الصهيونية للنزوح مع أسرته عام 1948 إلى مخيم عين الحلوة جنوب صيدا في لبنان.
في المخيم نما وعيه السياسي، ونتيجة مشاركته في المظاهرات ونشاطه السياسي ألقي به في السجن في لبنان، وعلى جدران زنزانته تطورت موهبته في التعبير بالرسم، ثم التحق بمعهد الفنون اللبناني لفترة حتى لم يعد قادرا على تحمل المصروفات.
في عام 1961 نشر له الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني ثلاثة أعمال له في مجلة "الحرية" اليسارية الفلسطينية.
شخصية " حنظلة" رسومات تحاكي طفولة فلسطيني لا ينسى ما رأى
في عام 1969 ظهرت شخصيته الكاريكاتورية الأشهر "حنظلة" للمرة الاولى.
ابتدع شخصية وأسماها "حنظلة" ليجسد بها شخصية طفل صغير في العاشرة من عمره، حافي رمزًا لطفولته، ليقول ناجي العلي عنها، "أنا تركت فلسطين في هذا السن وما زلت فيها. رغم أن ذلك حدث من 35 عاما، إلا أن تفاصيل هذه المرحلة لا تغيب عن ذاكرتي وأشعر وأذكر وأعرف كل عشبة وكل حجر وكل بيت وكل شجرة مرت علي في فلسطين وأنا طفل".
"حنظلة" أدار ظهره في سنوات ما بعد 1973 وعقد يداه خلف ظهره، وأصبح بمثابة توقيع ناجي العلي على رسوماته.
واشتهرت رسومات ناجي العلي الكاريكاتيرية بانتقاداتها الحادة واللاذعة، لكن بلغة راقية ورسومات سلسة مشحونة وموحية في الوقت ذاته.
ولم يقتصر هجومه وانتقاده على إسرائيل وأمريكا مثلًا، لكنه طال العرب وحتى الفلسطينيين وكان معبرًا إلى حد كبير عن تيار غالب في العالم العربي، حتى أن صحيفة نيويورك تايمز قالت عنه يومًا: "إذا أردت ان تعرف رأي العرب في أمريكا فانظر في رسوم ناجي العلي".
وقال عنه الاتحاد العالمي لناشري الصحف: "إنه واحد من أعظم رسامي الكاريكاتير منذ نهاية القرن الثامن عشر".
حنظلة الطفل الذي كبر ليحمل الكلاشنكوف..
يضيف ناجي: تطور وعي "حنظلة" أصبح له أفقه القومي ثم أفق كوني وإنساني وفي المراحل الأولى، رسمته ملتقيًا وجها لوجه مع الناس، وكان يحمل الكلاشينكوف، وكان أيضا دائم الحركة وفاعلا وله دور حقيقي، يناقش باللغة العربية والإنجليزية، بل أكثر من ذلك، فقد كان يلعب الكاراتيه.. يغني الزجل ويصرخ ويؤذن ويهمس ويبشر بالثورة".
ومتى يمكن رؤية حنظله؟ يجيب ناجي:" عندما تصبح الكرامة غير مهددة، وعندما يسترد الانسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته".
ناجي العلي... ترتدي ريشته رداء الثورة..
الشيء المميز، الذي حدث مع ناجي العلي أثناء عودته من الكويت إلى لبنان أنه تعرف على العديد من عناصر الجناح العسكري لحركة فتح (قوات العاصفة)، واطّلع على مجموع العمليات التي نفذتها ضد الاحتلال الإسرائيلي، فألهبت مشاعره الوطنية. وتميزت رسوماته في تلك المرحلة بالمناداة للكفاح المسلح كوسيلة وحيدة لاستعادة الأرض، وما زاد من عنفوان المشاعر الوطنية لديه، الانتصار في معركة الكرامة.
لا زالت رسوماته حية شاهدة على سنوات التهجير والمنافي والاغتراب
أنتج أكثر من 40 ألف عمل فني، غير تلك التي منعتها الرقابة وظلت حبيسة الرفوف، أعطى ثلاثة كتب في أعوام 1967، 1983، 1985، عرضت أعماله في بيروت ودمشق وعمان وفلسطين والكويت وواشنطن ولندن.
لم يتوقف الاهتمام بناجي العلي بين قطاع واسع من المثقفين والفنانين العرب، فحسب بل سجلت السينما العربية حياته في فيلم بطولة الفنان المصري الراحل نور الشريف.
اغتيال ناجي العلي .. رصاصة أسفل العين تمنح "حنظلة" حياة أبدية
عند الساعة 5:13 بتوقيت غرينتش، يوم الأربعاء 22 يوليو/ تموز 1987، أوقف العلي سيارته على رصيف الجانب الأيمن لشارع ايفز جنوب غرب لندن، حيث مقر جريدة القبس الدولية.
وما أن اقترب ناجي العلي من مخزن "بيتر جونز"، القريب من نقطة الاستهداف حتى اقترب منه القاتل الذي ارتدى سترة من الجينز وعندما سار في موازاته أخرج مسدسه وأطلق الرصاص باتجاه رأس ناجي العلي، ليسقط ناجي العلي على الأرض مخضبًا بالدماء، وبقي في المستشفى إلى أن وافاه الأجل في يوم 29 أغسطس/آب 1987 متأثرًا ًبجراحه، ودفن في مقبرة "بروك وود" الإسلامية في لندن.
لا زالت رسومات ناجي العلي تحاكي قضيتنا الفلسطينية في كل مراحل النضال.
"سلاما ناجي أيها الشهيد الآخر، والشاهد الآخر".