- قصف جوي إسرائيلي في محيط مستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة
- القناة 12 الإسرائيلية: إطلاق أكثر من 100 صاروخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل منذ ساعات الصباح
تعالوا نجري اختبارًا مسليًا للذائقة العامة وضميرها الجمعي الذي ينتفض فجأة وكيف يرتب وأولوياته، من يعرف اعزاز وسمدا وسرمدا؟ ومن سمع بقرية أبواب الرحمة وقرية أطفالنا ومخيم شهد روحين ومخيم ضياء؟ أراهن أن الذوق العربي الذي عبّأ فضائه العام فيلم «أصحاب ولا أعز» لم يسمع أو أن ما تحتويه تلك المناطق أقل أهمية بما لا يقاس من ملابس داخلية لممثلة أو مغنية تقص شعرها لتسحب الرأي العام العربي تجاهه كأولوية في قضايا أمة فقدت توازنها وهبط ذوقها الى المستوى الذي تحدث عنه الباحث الكندي «ألان دونو» في كتابه «نظام التفاهة».
وإذا كان دونو تحدث عن تفاهة النخبة السياسية والاقتصادية ثم رأيناها تتجسد بصعود شخصية بهلوانية مثل دونالد ترامب لقيادة أقوى دولة في العالم، ولكن الأمر في العالم العربي لا يتوقف عند النظم السياسية وحليفها الاقتصادي واللذين يتم اتهامهما بصناعة كل هذا التردي في المنطقة، يأتي فيلم مأخوذة قصته من فيلم ايطالي ليعطي شهادة براءة لتلك النظم في مشهد يعري الرأي العام العربي أكثر من عري نظمه السياسية.
الفيلم الذي شغل الفضاء العام في الصحافة والحوارات والسوشيال ميديا وكل شيء هو أولاً وأخيراً محاولة من شركات انتاج تجارية أرادت تقليد الفيلم الايطالي «غرباء بالكامل» والذي حقق ايرادات كبيرة (32 مليون دولار)، بغض النظر عن رواية الفيلم المستنسخة تماماً لكي تكتمل حالة التخلف بالنقل الذي استسهله العقل العربي في قرونه الأخيرة دون إعمال العقل كالعادة، بأحداث لا تتطابق مع المجتمعات العربية ولكنها ليست غريبة على المجتمع الايطالي، ربما وكم كنت أتمنى أن يكون الفيلم وقصته ابداعاً عربياً ولكن كالعادة في منطقة انهزم فيها العقل مبكراً وكف عن الابداع، وإن قدمت السينما العربية سابقاً أفلاماً عالمية لكن يبدو أن التردي الذي يشهده العالم العربي يطال كل شيء.
لست بصدد الحديث عن الفيلم وما جاء فيه ولا نقاش ما يحدث في المجتمعات العربية، والتي ربما جسد بعضاً من غرف مظلمة لطبقة مترفة أقلية الأقلية بعيدة عن الواقع البائس لعشرات الملايين كل همهم سكن وتدفئة ورغيف خبز، ولا الفروقات الثقافية بين دولة وأخرى وعاصمة وأخرى ولا يقيني بعدم تأثيره على أنماط العادات أو أنساقها الاجتماعية لأنها جزء من هوية اجتماعية تطورت عبر آلاف السنين ولا تتغير بقرار أو بفيلم، والا لكانت خطب الجوامع عن الحب والتسامح والأخلاق والصدق جعلت من العالم العربي نموذجاً للمثالية، ولكنه غير ذلك على الإطلاق، وبل لأن أبطأ أنواع التغيرات هي التغيرات الاجتماعية، ولا اطمئناني لرصانة القيم المجتمعية، ولا أن ما يمكن فهمه في لبنان عصي على الفهم في القاهرة، ولا أن الاسكندرية تختلف عن الصعيد، فتلك قضايا ربما تناقش في اطار سوسيولوجي آخر.
لكن هنا والأهم طبيعة انسياق الرأي العام وراء الابتذال مقابل قضايا توجع القلب والعقل تمتد على مساحة هذا الوطن العربي المكلل بالدموع، فالمناطق التي وضعتها كاختبار للتسلية هي مناطق تضم لاجئين من الشعب السوري العظيم الذي وضع بصمة عميقاً في تاريخنا وتراثنا، هناك في هذا البرد والثلوج عشرات آلاف العائلات تعيش في خيام ممزقة وأطفال ألقت بهم حرب مجنونة لا يمكن تبرئة أحد منها، كدول أرادت تصفية حسابات وضخت عشرات المليارات لتنتهي بنكبة ستبقى علامة فارقة لما يعانيه الضمير العربي من ازدواجية، ويعاني فقراً شديداً في معاييره الانسانية التي تجعله يستفز لمغنية قامت بقص شعرها، ولا يأبه لعشرات آلاف الأطفال يعيشون في خيام.
حين رأيت بعض المقاطع التي وصلتني من تلك المناطق السورية والتي سيطرت عليها تركيا وسؤال لطفلة لم تبلغ عشر سنوات عن حلمها كانت تحلم بحذاء وخيمة جديدة، كانت طفلة بعينين زرقاوين وشعر أصفر، وللمصادفة وصلتني المقاطع وسط ذروة وانشغال الرأي العام العربي بشعر شيرين عبد الوهاب، مشهد تلك الطفلة كفيل بفتح كل سدود المقل والبكاء طويلاً على طفولة وإنسانية فقدت ذاتها في عالم عربي فقد ضميره وهو يلهث باحثاً عن انتصارات على جسد الأطفال التي تحولت الى ندبة في الروح ولعنة ستبقى تلاحقنا طويلاً، ولكن شركات الإنتاج تبحث عن قصة مبتذلة في شوارع روما أهم كثيراً من شوارع حملت التراجيديا العربية، واذا كانت شركات الإنتاج التجارية تبحث عن المال كيف ينساق العالم العربي كله نحوها ليحقق مرادها في أعلى نسب للمشاهدة؟ ولم يكن هدفها أكثر من ذلك.
شعر الفنانة شيرين أو بالأحرى «ثورة شعر شيرين» تلك التي اشتعلت فجأة وأشعلت الرأي العام، وهي المرأة التي قالت في لقاء تليفزيوني أن لديها في منزلها عفاريت تتحدث معهم وتناديهم «حبايبي» لنكتشف أن الحالة أقرب للمرض النفسي، وهي الرواية التي انتشرت كالنار في الهشيم عندما ظهرت حليقة الرأس وتلقفت روايتها كثير من النساء النشيطات مؤازرة ومناصرة كدليل وقع بين أيديهن على تعسف الرجل الشرقي واستبداده، وهكذا تمكنت من إشغال الرأي العام لفترة، والآن يأتي فيلم بغض النظر عن مضمونه ليعيد مشاغلة الرأي العام.
كيف ولماذا؟ وهل يمكن أن نراهن على الرأي العام؟ وعندما نتحدث عن الشعوب. هل حقاً بعد هذا التردي والذي لا علاقة بالنظم فيه هل يمكن المراهنة؟ أم لا يمكن ادانة الشعوب بالتفاهة لأن الإعلام هو الموجه الأول، وهذا الاعلام مملوك للنخبة الذي تسيدت وتحدث عنها «ألان دونو» وهي تقدم وتشجع ما هو رديء؟ ولكن في عصر السوشيال ميديا والذي تعددت فيه مصادر البث أصبح بإمكان المواطن أن يختار ولكنه أكثر انسياقاً للتفاهة، حين أستمع لقصائد محمود درويش أو أعود لبعض محاضرات محمد حسنين هيكل وهما العملاقان الأبرز في الشعر والفكر السياسي في العالم العربي، وأقارن المشاهدات مع مقاطع حياة الممثلين أو صراخ معتز مطر أدرك بلا تردد أننا أمام هزيمة للعقل والثقافة وللذوق العام الذي هبط الى هذا المستوى من الرداءة...!
وعلى الهامش، على صفحة ملتقى فلسطين نشر الصديق الكاتب ماجد كيالي حسابا للشاب «ابراهيم خليل «من الداخل الفلسطيني يقوم بحملة تبرعات لإغاثة لاجئي سورية والحملة بعنوان «بيت بدل خيمة» تمكن من جمع مليون دولار في أيام، فشكرا لهذا الفلسطيني الإنسان العميق إنسانيا في عصر بات تسطيح كل شيء سمته الأبرز.