غزة- عمرو طبش: في لحظة انتهت الأحلام وفشلت الصرخات في مواجهة القدر، الذي كان أسرع إليه، فالتهمت النيران ما تبقى من طفولته، بعدما وجدوه ممداً على السرير في غيبوبة، وقد التهمت النيران ملامحه الطفولية.
جاء والده في اللحظات الأخيرة، حمله وهو مشتعل وقد احترقت ملابسه على لحمه الطري ولسانه يقطر دماً خارج فمه، من أجل أن ينقذ فلذة كبده الذي بات أن تنتهي حياته في رمشة عين.
منزل محترق
يروي الطفل يوسف الشيخ صاحب الـ"12 عاماً" تفاصيل قصته ومعاناته لـ"الكوفية"، أنه تعرض منزلهم لحادثة حريق في عام 2009 نتيجة شمعة مشتعلة وقعت على الأرض، مما تسببت بإشعال المنزل بأكمله- كانت والدته تستعين بها لإنارة البيت- حيث كان في ذات الوقت يبلغ من العمر خمس شهور ولا يستطيع الحركة، فتم إنقاذه في اللحظات الأخيرة، ولكن احترق جسده بالكامل واختفت جميع ملامحه البريئة.
جسد مشوه
وأوضح أنه بعدما تشوهت ملامحه، ذهب والده الى جميع المستشفيات في قطاع غزة، ليحصل على تحويل علاج في الخارج، حتى يتلقى العلاج المناسب وإجراء عملية تجميل لوجهه الذي بات مختفي، خاصةً في ظل عدم وجود الإمكانيات الخاصة لإجراء عملية التجميل داخل المستشفيات في غزة، مشيراً الى أن طلبه للعلاج بالخارج رفض، بحجة أنه يوجد دكتور يستطيع إجراء عملية تجميل لوجهه.
20 عملية
وأكد الشيخ أنه تم إجراء أكثر من 20 عملية تجميل لوجهه في غزة، ولكن لم يعد وجهه كما كان سابقاً، لا زالت ملامحه البريئة مختفية، وبقيت التشوهات، التي تسببت بمشاكل كبيرة له، من عدم قدرته على اغلاق عينيه وفمه أثناء النوم، بالإضافة إلى تشوه أذنه اليسرى، الذي بات لا يستطيع السماع بها، حيث أن عمليته تعتبر أول عملية تجميل للوجه يتم إجراءها داخل غزة.
تنمر
وقال، "كل يوم أعاني من حالات التنمر بسبب تشوهات وجهي، وأنا لما بدي أطلع ألعب في الحارة مع الأطفال الكل بيشرد وبيخاف مني، طيب يا ربي أنا طفل ومن حقي ألعب زي باقي الأطفال، ايش ذنبي أنا يصير معي هيك، وفي منهم بيغلطوا عليا وبيحكولي يا أبو وجه محروق، وفي نفس الوقت في ناس بتتعاطف معي".
خارج جدران المنزل
وأضاف الشيخ أنه داخل المنزل يمارس حياته بشكل طبيعي مع أشقاؤه، إذ أنه يلعب مع إخوانه الصغار، ويساعد شقيقه الأكبر الذي أصبح من ذوي الإعاقة نتيجة سقوطه عن الأرض وهو يلعب، بالإضافة أنه يدرس ويحل واجباته المدرسية لوحده، ولكنه عندما يخرج الى الشارع لا يستطيع ممارسة حياته بشكل طبيعي، نتيجة التنمر الذي يتعرض له من قبل الأطفال.
وجه محروق
وتابع، "الأطفال بفكروني عشان وجهي انحرق، انه أنا بختلف عنهم ومش من هان، والله أنا طفل مسلم مثلهم، وما اختلفت عنهم أبداً، بس يلي صار معاي قضاء مقدر وربنا كتبلي إياه"، موضحاً أنه كان في السابق يخجل من الخروج إلى الشارع، ولكنه أجبر نفسه على التعايش مع الأطفال، وتحمل ما يتعرض له من تنمر وانتقادات، حيث أنه استطاع النجاح في ذلك، ليكون له أصدقاء يخرجون ويلعبون معه، ولكنه لا زال يتعرض للتنمر.
وضع اقتصادي صعب
ونوه "الشيخ" الى أنه في ظل انتشار فيروس كورونا في قطاع غزة، أصبح وضعهم الاقتصادي والمعيشي صعب، بعد توقف والده عن العمل الذي كان يعمل سائق تاكسي، وعدم قدرته على دفع ايجار المنزل، مشيراً إلى أنه بدأ يعمل في بيع الكمامات عند مفترق السرايا، ليساعد أسرته التي بات وضعها المعيشي سيء.
تعاطف وشفقة
وأوضح أنه عندما يبيع الكمامات، المواطنين يتعاملون معه بتعاطف وينظرون إليه بعين الشفقة، نظراً لوجهه الذي اختفت عليه ملامح الطفولة، "في ناس كانت ما بدها تشتري وبيمدوا عليا فلوس أخذهم بيفكروني إنه بشحد من شكل وجهي، ولكنني كنت أرفض، لأنه أنا بشتغل وببيع عشان أساعد أهلي مش بشحد".
في انتظار التحويلة
وأشار الشيخ إلى أنه منذ لحظة تعرضه للحرق وحتى يومنا هذا، لم يساعده أحد في توفير تحويلة العلاج في الخارج، لكي يتمكن في إجراء عملية التجميل لوجهه، وتعود ملامح الطفولة التي اختفت لوجهه منذ 12 عاماً، مبيناً أنه يعاني بشكل يومي من صعوبة في التنفس، وعدم قدرته على النوم بشكل مستمر، نظراً لعدم قدرته على إغلاق عينيه وفمه، بسبب التشوهات التي تعرض لها من الحرق.
مناشدة ورجاء
ويحلم الطفل يوسف الشيخ ليلاً نهاراً بأن يتم اجراء له عملية تجميل في الخارج، لكي تعود ملامحه البريئة والطفولية، ويمارس حياته وحقه في اللعب بشكل طبيعي كباقي الأطفال في قطاع غزة.
وطالب المسؤولين وأصحاب القرار بالوقوف عند مسؤولياتهم تجاهه، والنظر إليه بعين الرحمة والشفقة، ومساعدته في تحويله إلى مستشفيات في الخارج، لكي يعود وجهه كما بالسابق، ويعود هو للاستمتاع بطفولته، بعيدًا عن التنمر.