متابعات: فجأة، في ذروة أزمة لم يشهد لها مثيل، تنزل علينا من السماء، أو للدقة من زووم الأمم المتحدة، قصة مخزن صواريخ "حزب الله". لا يدور الحديث عن مصنع لدقة الصواريخ بل عن مخزن آخر، مهما كان مهماً، يمكن لنا أن نفترض بأنه يوجد في بيروت منذ سنين. وقد سوقت هذه القصة وهي مغلفة ببطانات ترافقها خرائط ورسومات تنير العيون تناقلتها الأيدي بعد الكشف في الأمم المتحدة في وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية. وكأن بأحد ما جلس في القدس وقرر أنه حان الوقت لصرف بعض الانتباه عن أضرار "كورونا"، التي لا نعرف حقاً كيف نواجهها والهروب الى المنطقة المريحة المتعلقة بـ "العرب الأشرار". في هذا نحن جيدون. يكفي أن نطلق الخليط الفتاك للكلمات السرية "ايران"، "حزب الله" و "الصواريخ الدقيقة" كي نبتز قطرات التضامن الأخيرة التي لا تزال لدى الجمهور.
ان تغليف المنتج وتوقيت النشر شرعيان بل حيويان. المشكلة هي ان مقدم العرض فقد مصداقيته. عندما يروي رئيس الوزراء للعالم بان بيروت تجلس على برميل بارود دفنه "حزب الله" تحته، يسأل الناس انفسهم على الفور ما الذي سيخرج له من هذا. كيف تساعده هذه الحملة على الخروج من الورطة الجنائية او على الاقل من الاتهامات حول أدائه الفاشل في ادارة ازمة "كورونا"؟
لم يخلق نتنياهو حملة الوعي ضد "حزب الله"، ولكنه ينخرط فيها بسرور. حرب الوعي هذه أطلقها رئيس الأركان السابق، غادي آيزنكوت، قبل أكثر من سنتين، عندما نشر الجيش بشكل غير مسبوق نحو مئتي موقع داخل القرى في جنوب لبنان، حيث يخزن "حزب الله" الصواريخ. وبالتوازي عرض في حينه رئيس الوزراء في الجمعية العمومية للأمم المتحدة خريطة لمخزن صواريخ تابع لـ "حزب الله" قرب المطار في بيروت. ولما كان الجيش الإسرائيلي يمتنع عن هجمات مباشرة في لبنان كي لا يشعل معركة عسكرية اخرى، فإنه يركز على محاولة اقناع الرأي العام في لبنان بان "حزب الله" ليس درعاً للبنان بل مخرب له. فـ "حزب الله" يحاول بناء مصانع لزيادة دقة الصواريخ تحت الارض في لبنان في ظل الاستناد الى حقيقة ان إسرائيل تمتنع عن هجوم صاخب على أهداف فوق أرضه. من الصعب قياس انجازات حرب الوعي التي هي جزء من حرب الظلال. حالياً، قدرة انتاج الصواريخ الدقيقة في لبنان محدودة جداً.
في بداية السنة تلقت مسألة الصواريخ الدقيقة انعطافة عندما بدأ برج الاوراق، الذي يسمى دولة لبنان، بالتفكك اقتصاديا واجتماعيا. والرمز المركزي لأفول لبنان كان الانفجار الكبير في بداية آب. محاولتان لتشكيل حكومة جديدة ترمم الدولة انهارتا. ولبنان على شفا الفوضى. والآن يوجد لإسرائيل في منطقتين حدود عديمة السيادة أصبحتا أرضاً سائبة لميليشيات مسلحة: جنوب لبنان وهضبة الجولان. هذه وصلة للتدهور العسكري. إذا حقق "حزب الله" معادلة الانتقام على قتل واحد من رجاله في دمشق في تموز هذه السنة، قد تكون هذه هي الشرارة التي تشعل مثل هذه المواجهة. منذ الانفجار في بيروت تبذل إسرائيل جهداً إعلامياً مركزاً لخلق شرعية دولية للمخططات الحربية التي اعدتها. إذ انه في اليوم الذي ستنشب فيه المواجهة في لبنان ستقف إسرائيل امام الحاجة لتشرح لماذا تهاجم مناطق مأهولة في جنوب لبنان، في البقاع، وفي بيروت (حيث يوجد "حزب الله"). حرب الوعي هي طرف الجبل الجليدي للاستعدادات التي تقوم بها إسرائيل اليوم لوضع تتدهور فيه الحدود الشمالية الى الحرب. وعليه فان الرسالة الإسرائيلية للعالم يجب أن تكون ذات مصداقية، فتوضح أن لا بديل آخر. غير أن المصداقية هي أيضا موضوع يتعلق بمقدم العرض.
عن "يديعوت"