عندما دخلت فريق برنامج" تاريخنا وارشيفهم "الذي قاده طيب الذكر، المهني أسعد طه، كان السؤال المركزي الذي نبدأ منه في أرشيف وزارة الخارجية البريطانية، لماذا أغلقت الحكومة البريطانية وثائق الحاج امين الحسيني قائد الثورة الفلسطينية الاولى مدة ستين عاما. بعد اشتغال اشهر في الأرشيف، تبين لي ان وزارة الحرب البريطانية عملت باجتهاد كي تسهل هروب الحسيني بقارب الى لبنان ليقيم عند بيار الجميل الذي يشارك الحاج امين اعجابه بالتجربة النازية، فانشا الاول كتائب النجادة والأخر الكتائب اللبنانية، ولشدة اعجاب الشيخ بيار بالحاج اطلق على ابنه البكر اسم أمين . ثم عملت بريطانيا بالتعاون مع الفرنسي لإبعاد الحاج عن لبنان الى بغداد، ثم طاردته بعد ثورة رشيد علي الكيلاني عام ١٩٤١ ليلجأ الى طهران في سفارة اليابان ثم تتواطأ بتهريبه الى جنوب الاتحاد السوفيتي ثم الى تركيا وصولا الى روما موسيليني ثم الى هتلر في برلين، ليصبح قائد المسلمين المقاتلين ضد الحلفاء في كافة الجبهات. دمغت الثورة الفلسطينية حينها بانحيازها الى النازية وخسرت بخسارتها الحرب. لكن الأهم ان كل الذين اعترضوا على الانحياز لدول المحور اتهموا بالعمالة لبريطانيا والصهاينة وخيانة الثوابت الوطنية، وقتل بعض قادتهم اغتيالا.
اندرجت الثورة الفلسطينية المعاصرة في سياق الحرب الباردة بين الكتلتين، فانحازت قوى منظمة التحرير بمجموعها لحلف المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي، وسيطر على المشهد بكليته قوى اليسار بكل تنويعاته والحركات القومية العربية. ومع انهيار المعسكر الاشتراكي وسقوط جدار برلين، خسرت المنظمة حليفا كبيرا، وهنا أيضا أطلق تصنيف "اليمين الرجعي" على كل من اختلف مع نهج الالتحاق بالحلف السوفييتي، وابعدوا من المواقع القيادية واخص هنا شخصية ذات وزن كبير مثل خالد الحسن أحد مؤسسي حركة فتح. وقامت حركة مشبوهة تطلق على نفسها اسم " حركة فتح المجلس الثوري " بزعامة صبري البنا أبو نضال، بحملة اغتيالات شملت عددا كبيرا من القادة الفلسطينيين والمثقفين الذين حاولوا اجتراح طريقة تفكير مغايرة، واختفى قائد ومفكر كبير في ظروف غامضة هو الدكتور حنا ميخائيل الذي اعتنق نهجا معايرا للمدرسة السوفييتية يقوم على حرب التحرير الشعبية والتجربة الصينية وليس تجييش حركة الفدائيين الشعبية.
سبعون عاما من الصراع مع الظاهرة الاستعمارية الصهيونية لبلادنا، قادته ثلاثة تيارات انشأتها او ساعدت في قيامها الامبريالية البريطانية والصهاينة في ديسك الشرق الاوسط في الحزب الشيوعي السوفييتي، الإسلامية والقومية واليسارية، وكلها تندرج في سياق الأممية القومية وفوق الوطنية، ولم تكن فلسطين سوى جسرا لتبرير تنظيرها العقيم، سبعون عاما، لم نحرر فلسطين ولم نقم دولا حقيقية ولم نصنع تنمية ولا تقدم.