لي حبيبتان هادئتان، جامعة بيرزيت وجامعة اليرموك، تعيش الجامعتان داخلي بشكل غريب، لا غيرةَ لا فضول، لكلتيهما غرفة في أعماقي، لكلتيهما صوت خاص وذكريات مرتبة في خزانة القلب، أجلس معهما على طاولة واحدة، نشاهد الأفلام ونقرأ الروايات، ونضحك سوياً على ارتباكات قلبي في الجامعتين وهروبي إلى المكتبتين من فراغ القلب، في الصباح نتناول الإفطار المكون من طبقَي شارع عطارة في بيرزيت وشارع السينما في إربد، تغمس اليرموك من مرقة شارع عطارة وتلتهم بيرزيت قطع لحم شارع السينما، عند الظهر نأكل الساندويشات في كافيتريا ابو وديع (البيرزيتوية) وفي المساء نتعشى سمكاً في كافتيريا الجامعة اليرموكية. وهكذا تمضي حياتنا نتراشق الذكريات بمرح ونتبلل بأشباح الروائح والوجوه والأمكنة.
بهدوء نذهب ليلاً إلى النوم. في الصباح نكتشف أن الدنيا كانت تمطر بقوة ليلة أمس، نقف خلف النافذة ثلاثتنا، (نَصفن) في الشارع المبلول ونراقب الطلاب الجامعيين وهم يمضون إلى شوارعهم وأمكنتهم ووجوههم المألوفة ونهمس لهم بصوت واحد دون أن نسمع أصواتاً:( التهموا هذه المرحلة من حياتكم التهاماً، لا تتركوا حتى عظمها دون طحن، امتصوا كل تفصيلة إحساس، لا تتركوا طعاماً في صحن ولا كلمة دون نقاش ولا مكتبة دون صمت ولا ليلاً دون بكاء ولا شارعاً أو زقاقاً دون خطوات ولا حباً دون غرق، إذا تركتكم صديقاتكم ابتسموا بألم خفيف ثم أمضوا إلى صديقات جديدات، اذا أفلستم ذات مساء عيشوا ضاحكين على البصل والخبز فهذه التجربة ستتذكرونها بسعادة وأنتم تتحدثون مع أبنائكم بعد سنوات طويلة عن ضرورة الإحساس بالألم وتذوق الخيبات، في مرحلة من مراحل حياتنا).
بحزن مفاجئ نتراجع عن النافذة، يذهب كل واحد منا إلى غرفته ويسود في البيت صمت ثقيل، آه.. الذكريات حزينة يا أصدقاء.
في داخلي تعيش حبيبتان.
عن الأيام