المتتبع لما يجري من تطورات على جبهة غزة، خاصة الجدل الداخلي الاسرائيلي حول كيفية التعامل مع الوضع الامني الحالي يدرك أن قرار العدوان قد اتخذ، ولكن بشكل مشروط، وأن الثمانية وأربعين ساعة المقبلة ستحدد الاتجاه.
ليس بخاف على احد ان جزء مما ينشر في الاعلام الاسرائيلي هو عبارة عن رسائل علنية للفصائل الفلسطينية في غزة، بما في ذلك التقارير و الصور عن استدعاء جزئي للاحتياط ونقل للدبابات و انتشار للقبة الحديدية، جميعها رسائل بأن الجيش الاسرائيلي جاهز لخوض المعركة وهو لا يخشاها.
نتنياهو ووزير جيشة تحت ضغط شديد من قبل بعض وزراء اليمين والرأي العام بضرورة اعطاء الضوء الاخضر للجيش باستهداف مباشر لمطلقي الطائرات الورقية والبالونات الحارقة حتى لو ادى ذلك الى تصعيد متدحرج ينتهي بمواجهه شاملة.
في حين موقف الجيش، حيث مطلوب منه ان يكون جاهزا لكل الخيارات والتي اكثرها تطرفا الاضطرار الى اعادة احتلال غزة اذا لزم الامر له وجهة نظر مختلفة، خاصة رئيس هيئة الاركان الجنرال غادي ايزنقوت الذي لا يندفع باتجاه مواجهه جديدة في نهايتها وفقا لتقديرةه سيعود الوضع الى ما كان عليه.
حيث يعتبر الجيش ان القيادة السياسية في اسرائيل خاصة نتنياهو ولاسباب ايديولوجية لا يريد ان تكون هناك اي استراتيجية للتعامل مع غزة، ويحرص على ابقاء الوضع كما هو عليه، وبالتالي مهمة الجيش هي اطفاء الحرائق هنا وهناك وايجاد حلول ميادنية. تماما كما استطاع ان يعالج مشكلة الصواريخ بالقبة الحديدية وان كان بشكل جزئي وكذلك مشكلة الانفاق، مطلوب منه ايضا ايجاد حل لمشكلة البالونات والاطباق الورقية الحارقة.
لكن، وعلى الرغم من ذلك، الكرة الان في الملعب الفلسطيني، او بكلمات اكثر دقة، الكرة الان في ملعب قيادة حماس صاحبة الثقل والامكانيات وبالتالي صاحبة القرار النهائي في المواجهة او تجنبها.
نعم، حماس هي التي ستقرر خلال الايام القليلة القادمة ما اذا سيكون هناك مواجهة او حرب رابعة ام يتم تجنب ذلك او ربما تأجيلها الي اجل غير مسمى.
ليس هناك من شك ان الفصائل الفلسطينية في غزة مع كل ما يملكون من ارادة واصرار و كبرياء، ويقف خلفهم شعب مبدع في اساليب المقاومة لا يخشون المواجهة ولا يخشون الحرب و لا يخشون الشهادة .
واشهد ان السنوار لا يأخذ بعين الاعتبار حياته الشخصية ومستقبلة او مستقبل اسرته ومن قبلة محمد الضيف الذي تعرض الى اكثر من عشرة محاولات اغتيال وكذلك الكثير ممن ستلاحقهم الطائرات و الصواريخ خلال المواجهة.
لكن السؤال، هل من الحكمة الدخول في حرب مفتوحة من اجل استمرار اطلاق الطائرات الورقية الحارقة. هذا السلاح المبدع الذي اخترعته غزة في مقارعة الاحتلال رغم انه لم يتسبب في موت اي اسرائيلي ولكن استمراره سيتسبب في استشهاد مئات او قد يكون آلاف الفلسطينيين.
قد يقول قائل وهل غزة ستنتهي مشكلتها وينتهي الحصار وتنتهي الاعتداءات الاسرائيلية اذا ما توقف الفلسطينيون عن اطلاق الطائرات الورقية؟ الاجابة بالطبع لا، ولكن هل يتوقف النضال الفلسطيني من اجل الحرية وكسر الحصار على استمرار او عدم استمرار اطلاق الطائرات الورقية؟ الاجابة ايضا بالطبع لا، لان معركتنا من اجل الحرية والتحرير والاستقلال عمرها عشرات السنين، لم تبدء بالطائرات الورقية ولم تنتهي اذا ما توقفنا حتى لو مؤقتا عن استخدامها.
لو كنت مكان قيادة حماس التي بلا شك تستمع الى نصائح الاصدقاء والحلفاء والشركاء، وخاصة الاخوة المصريين الذين يبذلون قصاري جهدهم من اجل تفادي غزة مزيدا من الدمار والخراب ومنع وقوع عدوان رابع اهل غزة غير قادرين على تبعاته. كنت سأحاول الاجابة على الاسئلة التالية:
هل حقا اسرائيل جدية في عدوان على غزة في الايام المقبلة اذا ما استمر اطلاق الطائرات الورقية الحارقة؟
اذا كان الامر كذلك، اذن استمرارها يعني اننا نسير نحو الحرب.
هل حقا نحن معنيين بجر اسرائيل الى عدوان، هل لنا مصلحة في ذلك، هل هذا يخدمنا ويخدم قضيتنا ويساهم في العودة وفك الحصار وتحسين احوال الناس؟ اذا كان هذا الحال يجب ان نستمر في اطلاق الطائرات الورقية، بل يجب مضاعفة العدد لتصبح اكثر فعالية.
والسؤال الاخر هل لرأي الشعب الذي سيتحمل الجزء الاكبر من العبئ له اهمية في اتخاذ القرار؟ اذا كان الامر كذلك، هل اهل غزة لو تم سؤالهم بشكل مباشر مع استمرار اطلاق الطائرات الورقية حتى و ان ادى ذلك الى عدوان رابع؟ ام ان سؤالهم و موقفهم غير مهم؟
نعم الشعب الفلسطيني مبدع و قادر على التحمل اذا لزم الامر و اذا كان لا مفر و لا خيار سوى الحرب.
لكني اعتقد جازما ان الغالبية العظمى من اهل غزة لا تريد حروب و لا تريد مواجهة يمكن تفاديها ، واذا كات المعادلة اما استمرار الطائرات الورقية و اما الحرب ، الاجابة بدون تردد هي لا احد يريد حرب.
القرار ليس سهل، ولكن التراجع في بعض الاحيان خطوة او خطوتين الى الوراء افضل بكثير من الاندفاع نحو مواجهة طاحنه قد تستمر اسبوع او شهر او اشهر وفي النهاية سنعود الى هدنه في احسن الاحوال مشابهة لهدنة ٢٠١٤.
التجربة الفلسطينية مريرة جدا للاسف الشديد. كثيرا من القرارات المصيرية اتخذت، كان بالامكان ان تكون بشكل مختلف و تجنب شعبنا خسائر لا داعي لها.