في غمرة السقام الذي لم يعد يتيح لعباس، أن يمارس هوايته المفضلة، وهي تتبع كل التفاصيل في الحياة الفلسطينية، لكي يختار منها ما يستوجب تدخله الكيدي؛ بات على الرجل أن يطمئن وأن ينام مرتاح البال، كونه نجح في توريث منظومته الأمنية والإدارية، كل أخلاقيات نهجه المجافية ليس للحقوق الدستورية للمواطنين وحسب، وإنما كذلك لحقوقهم الإنسانية في حدها الأدنى الذي لم يستطع الإحتلال إنكارها، بالترافق مع قدرة عالية، لدى هذه المنظومة، على تجاهل صوت الناس، عندما تجأر بالشكوى، ثم التفنن في محاولات الإستهبال بالتعليلات السخيفة!
على الصعيد الفردي، يأخذ النائب ماجد أبو شمالة، علماً بأن جواز سفره ممنوع من الإصدار والصرف. ولو كان الرجل تحت القبضة، لكان مُنع من السفر وحدث تلقائياً، إبطال فاعلية جواز سفره الساري، مثلما حدث مع القائد المناضل منذر الدجاني وآخرين وأخريات، منهم نواب منتخبون للمجلس التشريعي. وهذه واحدة من الممارسات، التي جعلت البعض يقارن بين سلوكيات الإحتلال فائق العداء والقبح والبشاعة، وسلوكيات عباس ومنظومته التي باتت تعمل وفق نهجه، بعد أن اقترب الرجل ــ والعلم عند الله ــ من لحظة الموت الحق!
فعلى صعيد حق الإنسان الفلسطيني في السفر والتنقل، كان العدو نفسه، غداة احتلال 1967 قد تحسس حاجة المواطن الى السفر والعودة، بقطع النظر عن رأيه، فاخترع مع تصاريح المغادرة والعودة، وثيقة سفر إسرائيلية، وتداول الفلسطينيون اسمها الدراج باللغة الفرنسية Laissez – Passez "لاسيه باسيه" أي دعه يمر، لأن المرور حق للإنسان. فالإحتلال الذي ينتهك حقوق الإنسان لا يريد أن يظهر أمام العالم، كقوة طاغية وعبيطة وصلت في غلاظتها الى هذا الدَرَك من السفالة وانتهاك حقوق الإنسان، على المستوى التفصيلي.
في الأثناء، يقرر رامي الحمد الله، المتطفل وغير ذي التفويض الشعبي وغير ذي التاريخ النضالي؛ أن يستجيب لضغوط الإسرائيليين والأمريكيين لكي يصرف راوتب موظفي غزة، بنسبة 50% منعاً للمزيد من الإحتقان الاجتماعي. ولو كان الأمر بيده، لما كان قد صرف هذه النسبة، ولظل يضخ المال لتغطية مصروفات وسفريات وسيارات و"نثريات" ووقود أعضاء المنظومة العباسية براحته، مع إغراق جامعة "النجاح" الربحية، بالمال العام. والمفارقة هنا، أن جوهر سياسة الأمريكيين والمحتلين، بات يتعلق بمسألة تخفيف أثقال الحياة على الناس بدل تخفيف أثقال الظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني. لذا ترى منظومة عباس تتعمد مراكمة الأثقال لكي تتعزز الفكرة فينطحنا بسهولة قرن الصفقة التي يسميها ترامب "صفقة القرن"!
في سياق الاستهبال، اختارت منظومة عباس لغة الرفض اللفظي للمشروع الأمريكي، في الوقت الذي تثابر فيه على التمهيد للمشروع لضمان وقوعه وقوع الفأس في الرأس. والمحتلون، وهم عمليون بطبيعتهم، أدركوا أن التنسيق الأمني، وهو كل الذي يطلبونه من السلطة، راسخ ولن يتوقف مهما فعل الجانب الإسرائيلي، ومهما كان النطح بقرن الصفقة، وهذا أمر أكده عباس نفسه في خطاب منقول على الهواء، وصف فيه صلافة الإحتلال بكونها محض اختلاف في الرأي!
لو إن الديكتاتوريات الفاشية، لجأت الى منع إصدار جوازات السفر لمن يعارضونها؛ لكان أكثر من نصف بعض شعوب العالم الثالث، بلا حقوق في الحصول على جوازات سفر. لقد اتخذت منظومة عباس من الحقوق الإنسانية وسائل ضغط سياسي على الناس، لكي يصل المواطن الى مرحلة طلب الخلاص الفردي، إما بالرضوخ والتسحيج والتصفيق للقرن الناطح، أو بالهجرة، أو بطلب الموت بأية طريقة. غير أن هذه المنظومة، وبحكم سنن التاريخ، ستُحال الى المزبلة، إن لم يكن بمفاعيل الانفجار الشعبي، فبحسابات المحتلين والأمريكيين أنفسهم, على الرغم من استنكاف الفلسطينيين عن الجأر بالشكوى لغير الله. فقد جعلتهم الوطنية العميقة، يمتنعون عن التوجه الى منظمات دولية، بشكاياتهم ضد من يظلمهم من الأقربين، لكي لا تنحرف البوصلة، فتصبح مشكلة الناس مع سلطتهم وليس مع الإحتلال. لكن مشكلة منظومة عباس أصبحت مع الطرف المعادي الذي يحسب حسبته ويتخير أساليبه لفتح الثغرات في الجدار الفلسطيني!