في مايو (أيار) 2018 ألغت الإدارة الأمريكية موقفا (رسميا) لها بعدم الاعتراف بالقدس الغربية جزءا من الكيان الإسرائيلي، واعترفت بالقدس بقسميها المغتصب عام 1948 خلافا لقرار الأمم المتحدة، والمحتلة عام 1967 كعاصمة لإسرائيل.
القرار الأمريكي، جاء بعد دراسة دقيقة لما سيكون من رد فعل فلسطيني أولا، وعربي دولي ثانيا، هل سيكون القرار فاتحة "هبة غضب حقيقية" ضد إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة، ووفقا لما كشفه مبعوث السلام الأمريكي المستقيل غرينبلات وسفيرة واشنطن في الأمم المتحدة المستقيلة نيكي هايلي، جاءت الحسابات أقل مما توقعوا، فمر القرار الأمريكي، الذي كان يجب أن يفتح باب جهنم على المحتلين والولايات المتحدة، بردا وسلاما، عدا قطاع غزة بسقوط ما يقارب الـ 70 شهيدا ومئات الجرحى رفضا للقرار، ودونه بات "خبرا"، وذهب مع ريح الخنوع السياسي الرسمي والشعبي العربي.
قرار واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان، كان الخطوة المركزية في تثبيت ركائز "مشروع التهويد" ضمن الصفقة الأمريكية التي ستنفذ من طرف واحد، ضمن خدعة أنها ستقدم للطرفين، حيث مرورها سيكون قفزة كبيرة على طريق تحقيق "المشروع التوراتي" في الضفة والقدس، خاصة وأن ساحة البراق وحائطها كانت قنبلة تفجير قمة كمب ديفيد الفلسطينية الإسرائيلية برعاية أمريكية صيف 2000، بعد رفض الشهيد الخالد ياسر عرفات أي مقولة بوجود تراث يهودي في المدينة المقدسة، فكانت أطول مواجهة عسكرية فلسطينية إسرائيلية من 2000 حتى 2004 الى أن تم اغتيال الخالد أبو عمار، لإزاحة عقبة كبرى من طريق التهويد.
ومع مرور قرار القدس، بدأت أمريكا باللعب على خطين متوازيين، أولا الاستمرار في خداع البعض الساذج بأنها ستقدم خطتها المعروفة باسم "صفقة ترامب" قريبا، لتبدأ رحلة خلق "بطولات وهمية" برفضها، في حين أنها تسير على بناء ركائز تلك الصفقة عمليا، وبعد 18 شهرا من قرار القدس، جاء "إعلان بومبيو" باعتبار المستوطنات شرعية، أي أنها جزء من "الدولة الإسرائيلية"، وعليه تصبح جزءا من "المشروع التهويدي" السائر نحو إكمال أضلعه بسرعة خارقة.
ربما يقف البعض عند اعتراف أمريكا بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، كخطوة في صفقة ترامب، لكنها في الواقع ليست جزءا من "المشروع التهويدي"، ولذا يبقى ذلك قرارا سياسيا لا يمس جوهر الصراع الفكري – الديني الذي تحاول الحركة الصهيونية تنفيذه خاصة في "يهودا والسامرة" والقدس
لم يبق لأمريكا سوى خطوة سياسية لإكمال أضلع صفقتها، تقف أمامها "عراقيل" دولية بوجود وكالة "الأونروا"، لتنهي أحد أبرز آثار النكبة الفلسطينية، قضية اللاجئين، والتي حاولت بكل أسلحتها وضع نهاية لها، بوقف تقديم أي مساعدة مالية وهي المساهم الأكبر في تمويلها.
لم يعد هناك مجال للتفكير في الهدف الأمريكي، وأيضا لم يعد مجديا استمرار غباء البعض السياسي في الادعاء انه أسقط "صفقة ترامب"، فهو عمليا كان مساهما فعليا في تنفيذها، باستبدال "الجعيع اللغوي" سلاحا بدلا من المواجهة الشعبية، والاختباء وراء "بطولة وهمية" هروبا من فعل ثوري.
أمريكا أعلنت "مشروع التهويد" على حساب المشروع الوطني الفلسطيني، ولن يترك نتنياهو الفرصة تهرب قبل أن يعلن فرض السيادة الإسرائيلية على 60% من الضفة الغربية، واعتبار منطقة "الأغوار" جزءا من دولة إسرائيل.
لم تنتظر الحركات الفلسطينية لترد عبر مسلسل الرد المعلوم نصا لأمريكا، وتدرك انه "هبة كلامية" ستنتهي كما سبق ان انتهت مسالة القدس والجولان، وتصبح واقعا "مرفوضا" فلسطينيا عربيا ودوليا لكن بات "حقيقة سياسية"، لأنه لا ثمن يدفع في طريقه.
هل سيكون هناك تطور حقيقي في "الغضب" العام، أم ستتكرر ذات النسخة من "صراخ" ما بعد القدس والجولان.
مفتاح الرد، يبقى بيد الرئيس محمود عباس لا غيره، هو وحده من سيقرر مسار الفعل أو رد الفعل على الإعلان الأمريكي، حيث القرار له دون سواه، عبر "التمرد الحقيقي" بالذهاب الفوري لتطبيق قرارات "الرسمية الفلسطينية" من سحب الاعتراف المتبادل وإعلان دولة فلسطين تحت الاحتلال، واعتبار قطاع غزة قاعدة الانطلاق لاستكمال تحريرها، مرورا بكل ما تلاها من قرارات.
هل يدعو الرئيس عباس فورا الى عقد لقاء قيادي فلسطيني للاتفاق على ما بعد اعلان قرارات الشرعية الرسمية، ورسم الرؤية الوطنية لمواجهة المشروع التهويدي، هل يكسر الرئيس عباس "جدر الاحتلال" التي حاصرته منذ عام 2005 والانطلاق بقيادة مواجهة سياسية كبرى. ولا نتوجه لأي فصيل طلبا بخطوة قبل خطوة الرئيس.
كثيرة هي الـ "هل" التي بها تنطلق معركة الرفض الحقيقي لو أريد حقا مواجهة...غيرها سلاما ورحمة ليس للمشروع الوطني فحسب بل للممثل الوطني!
ملاحظة: من طرائف مكالمة وزير خارجية إيران، انه تذكر "الغرفة المشتركة" لأجنحة الفصائل في قطاع غزة...كأنه يرسل تحذيرا لحماس بعد بيان "الخيمة والرافعة"...والفهيم يفهم!
تنويه خاص: عندما يصبح "التضامن" حالة مظهرية تدرك أن الكذب صناعة...ما كان مع الصحفي معاذ عمارنة من رجالات سلطة رام الله نموذجا، فجأة تذكروا عين معاذ بعد أن نسوه أياما!