ليس هناك من تصريح أو قرار أو موقف لأي مسؤول فلسطيني بغض النظر عن موقعه الوظيفي أو الحزبي يمكن أن يأخذه المواطن الفلسطيني على محمل الجد، خاصة فيما يتعلق بالمصالحة أو الانتخابات حيث سئم الناس هذين المصطلحين.
لكن كثرة الحديث اليوم، عن إجراء الانتخابات العامة كما أطلق عليها الرئيس عباس من على منبر الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، وقبل ذلك مبادرة الفصائل الفلسطينية التي تدعوا إلى إجراء انتخابات متزامنة جعل هذا الأمر يتصدر أجندة العمل الفلسطيني التي تعاني من فقر في القضايا المصيرية ومتخمة بالقضايا الصغيرة والتفصيلية.
على الرغم من ذلك، هناك اختلاف جوهري فيما يطالب فيه غالبية الفصائل الرئيسية والفاعلة في الساحة الفلسطينية و بين ما يريده الرئيس عباس الذي يعتبر اللاعب الأساسي وموقفه وقراراته هي الأهم في هذه المرحلة وهو الذي بيده القرار، أن تجرى الانتخابات غدا أو بعد عام، تكون انتخابات تشريعية فقط أو انتخابات تشريعية ورئاسية.
الرئيس عباس، وفي أكثر من محطة، أوضح موقفه من إجراء الانتخابات، وهو إجراء انتخابات تشريعية، أو انتخابات عامة كما أسماها دون تحديد مفهوم وآلية وأسس هذه الانتخابات، لكن وفي كل الأحوال هو غير معني الآن بإجراء انتخابات رئاسية، على الأقل في المرحلة الحالية.
هامش التحرك الذي منح للجنة الانتخابات المركزية ورئيسها الدكتور حنا ناصر، هو التشاور مع الفصائل، وخاصة حماس، على إجراء انتخابات تشريعية وتأجيل الانتخابات الرئاسية، هذا الموقف كان في السابق وما زال ساري المفعول حتى آخر لقاء بين الدكتور حنا ناصر والرئيس عباس بعد عودته من الأمم المتحدة.
عدا عن عدم الثقة بين الأطراف وعدا عن الشكوك في جدية إجراء الانتخابات، هناك عقبات حقيقية ليس من المستحيل التغلب عليها إذا ما أدرك كل طرف أن الانتخابات ضرورة وطنية لإنقاذ ما تبقى من مشروعنا الوطني، ليس لأنها الحل السحري ولكن لأنها خطوة ضرورية وهي قبل كل ذلك استحقاق وحق مسلوب منذ اثنى عشر عاما.
أولى هذه العقبات هو الاتفاق على طبيعة هذه الانتخابات، هل هي تشريعية فقط أم انتخابات رئاسية أم انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني أينما أمكن كما تطالب غالبية الفصائل والقوى.
وثاني هذه العقبات هو الاتفاق على شكل الانتخابات التشريعية، هل تكون على أساس النظام السابق "نسبي ودوائر" أم تكون علـى أساس "نسبي كامل" كما يطالب الرئيس عباس وحركة فتح.
وثالث هذه العقبات هي الاتفاق على نزاهة هذه الانتخابات في ظل فقدان الثقة في ظل سيطرة حماس على غزة وفقدانها اي تأثير في الضفة، وكذلك الاتفاق على كل التفاصيل وخاصة الأمور القضائية والإدارية.
ورابع هذه العقبات هي الحكومة الإسرائيلية التي قد ترفض إجراء الانتخابات في القدس، وإن لم يتم إجراؤها في القدس أو الاتفاق على آلية تتجاوز الجغرافيا وتتجاوز الإجراءات الإسرائيلية سيكون من الصعب موافقة أي طرف فلسطيني على المشاركة في انتخابات تستثني أهلنا في القدس.
حتى الآن القناعة في الشارع الفلسطيني، أن الحديث عن الانتخابات هو حديث غير جدي وهو مجرد كسب للوقت من هذا الطرف أو ذاك وأن كلا الطرفين الأساسسين في هذه المعادلة، حماس وفتح غير معنيتين باجراء هذه الانتخابات.
هناك من يعتقد أن حماس غير متحمسة لإجراء هذه الانتخابات لأسباب تتعلق بوضعها الداخلي وتقديراتها أن وضعها، خاصةً في غزة، لا يشجعها على الإقدام على هذه الخطوة، لذلك يصرون على أن تكون الانتخابات متزامنة رغم إدراكهم بتوجهات الرئيس عباس أنه لا يريد إجراء انتخابات رئاسية في هذه المرحلة.
لذلك حماس اليوم تقف متسلحة بموقف الفصائل بإجراء انتخابات شاملة لتجديد كل الشرعيات ربما مع الدعاء أن يواصل الرئيس عباس تمسكه بإجراء انتخابات تشريعية فقط.
الاعتقاد أيضا أن الرئيس عباس غير معني بإجراء هذه الانتخابات بما في ذلك انتخابات تشريعية فقط، وأن مطالبته لجنة الانتخابات المركزية بالاستعداد لإجراء الانتخابات التشريعية هو حديث غير جدي لإدراكه أن حماس وغالبية الفصائل تطالب بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.
الملفت للنظر هو غياب التبرير أو التوضيح سواء من قبل حركة فتح أو الرئيس عباس لماذا يتم الحديث فقط عن انتخابات تشريعية أو عامة ولا يتم الحديث عن انتخابات رئاسية؟ لماذا لا يتم التوضيح للمواطن الفلسطيني ما هي الحكمة في ذلك أو ما هو المبرر في عدم تجديد شرعية رئيس السلطة التي انتهت منذ ما يقارب العشر سنوات؟
قد تكون هناك مبررات مقنعة للمواطن الفلسطيني الذي يريد أن يُسأل عن رأيه ويمارس حقه في انتخاب من يمثله.
سواء رغبت حماس أو لم ترغب، وسواء رغبت فتح أو لم ترغب، الانتخابات حق للمواطن الفلسطيني مسلوب الإرادة منذ أكثر من عقد من الزمان ويجب إعادة هذا الحق له، لأن المواطن الفلسطيني أهم من فتح وأهم من حماس وكلاهما جاء لاسترجاع حقوق هذا المواطن والحفاظ على كرامته.