على الرغم من عدم قدرة الانتخابات البرلمانية «الإسرائيلية» الأخيرة، على إظهار فوز واضح وصريح لشخصية سياسية تملك القدرة على تشكيل حكومة مستقرة، أو حتى حكومة تحظى بأغلبية بسيطة (61 عضو كنيست من أصل 120)، فإن الحقيقة التي باتت واضحة هي فشل نتنياهو في تشكيل حكومة يمينية، أو حتى الاحتفاظ برئاسة الحكومة بانتظار النتائج النهائية.
تقدم تحالف «أزرق أبيض» بزعامة الجنرال بيني جانيتس ب 33 مقعداً مقابل 31 لليكود بزعامة نتنياهو بعد فرز 97% من الأصوات، يرجح أولوية تكليف جانيتس تشكيل الحكومة، ما لم تحصل مفاجأة دراماتيكية من خلال الأصوات «المزدوجة» والتي تقدر بنحو 200 ألف صوت، وتمنح نتنياهو نوعاً من الرهان الضعيف على عدم الاستسلام واللحاق بتحالف الجنرالات، وإن كان مجموع الأصوات التي ستوصي بترشيحه لرئاسة الحكومة الجديدة لا يزال أقل من تلك التي ستوصي بتكليف جانيتس (55 مقابل 56 صوتاً)، فيما سيعيد ليبرمان زعيم «إسرائيل بيتنا» لعب دور «بيضة القبان»، كما في الانتخابات السابقة، لترجيح كفة هذا الطرف أو ذاك، في تشكيل الحكومة الجديدة.
اعتراف نتنياهو بفشله في تشكيل حكومة يمينية ضيقة، دفعه إلى المسارعة لدعوة جانيتس وليبرمان لتشكيل حكومة موسعة، أو ما يسمى «حكومة وحدة وطنية»، لكن تشكيل مثل هذه الحكومة يصطدم بعقبات كبيرة، وفتح الطريق أمام «خيانات» كثيرة وتخلٍّ عن تعهدات قطعها رؤساء الكتل للناخبين، فجانيتس مثلاً، يرحب بتشكيل مثل هذه الحكومة، لكنه يشترط على الليكود إقصاء نتنياهو واختيار زعيم جديد، فيما يستحيل على ليبرمان الموافقة على الدخول في حكومة تضم الأحزاب الدينية (الحريديين)، وفي حال تم تنفيذ مثل هذا السيناريو، فإنه يعني ليس فقط تخلي الليكود عن زعيمه، وإنما تخلي الليكود عن حلفائه، وكل التعهدات التي قطعها للأحزاب اليمينية والدينية، كما أن ليبرمان إذا وقع تحت إغراءات منصب سياسي يلبي طموحه الشخصي في الوصول إلى رئاسة الحكومة مستقبلاً، فإنه قد يتخلى عن معارضته ل«الحريديين»، لكنه سيمارس الخيانة ضد قاعدته الانتخابية، تماماً مثلما هو الحال للقبول بالجلوس مع القائمة العربية المشتركة التي أصبحت تحظى بين 12 - 13 مقعداً، أي الكتلة الثالثة بعد الائتلافين العريضين، رغم التحريض وحملات العرقلة التي مارسها نتنياهو، والتي أدت إلى نتائج عكسية، كما قالت الأحزاب العربية في دعايتها الانتخابية «أصوات أكثر ل(المشتركة)... أصوات أقل لنتنياهو»... وهو ما أسهم إلى حد كبير في منع فوزه بالانتخابات، في وقت برزت إمكانية انضمام القائمة المشتركة إلى تخالف «أبيض أزرق»، رغم انقسام الأحزاب العربية في الداخل حول هذا الأمر، في حين يبقى السيناريو الأخير هو الذهاب إلى انتخابات مبكرة للمرة الثالثة خلال عام وهو الأمر الذي لم يحدث منذ إنشاء «إسرائيل».
وسط كل هذه السيناريوهات التي لم يحسم أي منها بعد، يبقى مصير نتنياهو معلقاً، وإن كانت ملامح هذا المصير تتسم بالقتامة والسواد، حيث يعني إسقاطه من السلطة دخوله إلى السجن عملياً، على خلفية ملفات الفساد والاتهامات الموجهة إليه وإحالته إلى المحاكمة، وربما الاختفاء من الساحة السياسية نهائياً.
الخليج الاماراتية