في خطوات متلاحقة ومتسارعة، تقدم الإدارة الأمريكية على محاصرة فلسطين، بكل سبل ممكنة، وتعمل بالتزامن على تنفيذ خطتها لخنق المشروع الوطني، لصالح المشروع التهويدي في الضفة والقدس.
الإدارة الأمريكية لا تقف كثيرا لشرح ما تفعل أو ما تريد أن تفعل، فهي تذهب مباشرة للتطبيق، وبعد ان تتأكد من خطواتها تبدأ بالإشارة الى انها ستعمل، ومنذ بدأ الحديث عن "الخطة الجديدة" المسماة بـ "صفقة ترامب"، وجوهرها تصفية مكتسبات "الكيانية الفلسطينية الموحدة" التي بدأت في عام 1994، لصالح مشاريع كيانية منفصلة، في بعض الضفة (تابعيات – محميات)، وفي قطاع غزة (إمارة).
جوهر المعركة يتمركز على الهوية الوطنية الفلسطينية أرضا وقضية، وكانت عملية الاعتراف بالقدس (شرقا وغربا) عاصمة لإسرائيل، والغاء أي خصوصية أمريكية في العلاقة بالفلسطينيين في القدس الشرقية، مترافقة مع حرب سياسية مالية على وكالة الأونروا، وما تمثله من رمز لقضية اللاجئين، فيما تجاوزت كل الخطوط الحمراء بوقاحة غير مسبوقة، عندما اعتبرت ان "الضفة الغربية" هي "يهودا والسامرة" وليست أرضا محتلة، وبالتالي فكل بناء استيطاني فيها هو "حق" لليهود، واعتبرت ان السيادة عليها ستبقى لإسرائيل.
وكانت تصريحات فريدمان، بأن أحد من اهم أهداف هذه الإدارة هو إعادة بناء "الهيكل الجديد"، وتلك رسالة لا تحمل سوى هدف واحد، انهاء الحقيقة الخاصة بالقدس ومكانتها الدينية الخاصة.
ولذا فالخطوة الأمريكية الأخيرة بحذف تعبير فلسطين من التداول في الخارجية الأمريكية ومواقعها، ليس سوى خطوة ما قبل النهاية للإعلان الرسمي لصفقة ترامب، بأن فلسطين ليست حاضرة وتستبدل بتعابير "ضفة" وقطاع غزة، لكل منهما حالة كيانية خاصة بها، والراعي لها سيكون دولة الكيان.
الحذف ليس مصطلحا فحسب، بل هو اعلان بحذف سياسي من الحل السياسي، تلك هي المسألة، فهل تواصل الرسمية الفلسطينية التعامل مع الخطوات الأمريكية، بذات الطريقة "الغبية"، بانها ومعها رئيسها تمكنوا من هزيمة الصفقة الأمريكية، وان "لا حل ولا استقرار بدون حل القضية الفلسطينية"، وبيانات تخلو من أي حرارة وطنية، وبعضهم يغرد توصيفا لما حدث، كأنه معلما في روضة أطفال.
أمريكا، ومع العهد الترامبي تعاملت مع السلطة الفلسطينية، وكأنها طرف تنفيذي لا أكثر، خاصة بعد أن ارتبطت ارتباطا وثيقا في علاقة أمنية مشبوهة جدا، لا مصلحة للشعب الفلسطيني بها بل هي ضرر وطني، ولذا فإدارة ترامب تقدم على خطواتها وهي على يقين أن رد الفعل الرسمي الفلسطيني لن يتجاوز تعابير لغوية باتت مملة جدا، ولن تترك أثرا.
المفارقة الكبرى، ان هناك أوراق سياسية هامة جدا في يد "الرسمية الفلسطينية"، تنفيذ بعضها فقط كاف لأن يدير دفة العلاقة معها، من باب الاستخفاف جدا بها، الى التوسل لها، وليس مطلوبا اعلان حرب عسكرية ولا خلق انتفاضة مسلحة، ولكنها قرارات تنفيذية لا أكثر ومنها:
*اعلان دولة فلسطين رسميا كدولة تحت الاحتلال، مع الغاء مسمى السلطة الفلسطينية من كل الأوراق الخاصة.
*وقف التنسيق الأمني مع أمريكا، وإلغاء أي نشاطات خاصة في ملف "التعاون"، الذي مثل خدمة كبيرة للمخابرات المركزية الأمريكية.
*منع دخول البضائع الاقتصادية الإسرائيلية الى السوق الفلسطيني، التي لها بديل وطني أو عربي او أجنبي، وملاحقة كل متعاون "تجاري" معها بصفته متعاون أمني.
*وقف التنسيق الأمني كليا مع دولة الكيان.
*طلب عقد لقاء عربي خاص للرد على موقف أمريكا الأخير، بعد اتخاذا خطوات فلسطينية ملموسة.
دون ذلك، فلا ضرورة لتلك البيانات الغبية والتغريدات المضحكة...وتصرفوا على طريقة "اعقل وتوكل" الى حين إقامة "دولة اليهود" وبناء هيكلها، وجوارها "إمارة غزة" و"تابعيات محافظات، رام الله ونابلس وجنين وبيت لحم وطولكرم ومحافظة أبوديس الكبرى!
ملاحظة: خطاب حسن نصر الله ردا على العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية، تطابق مع كلام الرسمية الفلسطينية...جعجعة بلا طحن، فمن يريد الفعل لا يعلن!
تنويه خاص: مثير للاستهجان صمت قيادة حماس وكتابها وناطقيها، وأدواتها الإعلامية على الإهانة السياسية في تصريحات العمادي بان "المال هو الحل" بديلا لـ(الإسلام هو الحل)، معقول المال اصبح سيد القرار!