يأتي إعلان حكومة الاحتلال تشجيع هجرة الفلسطينيين من قطاع غزة، بالتزامن مع وفاة الشاب الفلسطيني تامر السلطان، في الخارج خلال رحلته للبحث عن "لقمة عيش" كريمة والهروب من ملاحقات حركة "حماس" وتضييقها على مواطني القطاع.
الكرم الزائد الذي أبداه الاحتلال، لدرجة إعلان تخصيص أحد مطاراته لتسهيل هجرة أهالي القطاع، يكشف النقاب عن إسرائيل تواصلت مع عدة دول لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إليها، وهو الأمر الذي لم يكن موجودًا قبل تشكيل السلطة، حيث كان كل نشاط الاحتلال التهجيري يتمثل في عرض الهجرة بشكل فردي، ودفع مكافأة لمن يوافق، ولم يكن يوافق أحد.
لكن ردود الفعل الصاعدة وسط سكان القطاع تشي حاليا بعكس ذلك، حيث أصبحت الرغبة بالرحيل ظاهرة جماعية وليس حالة فردية وأرقام العام الماضي التي يتم نشرها رغم المبالغة فيها، إلا أنها باتت تشي بحقيقة لا يمكن تجاهلها بعد تجربة مريرة للناس في هذا الجزء الصغير في أقصى جنوب الوطن.
الدوافع والأسباب
الباحث القانوني لؤي ذيب، يحل "اللغز" بأرقام نشرها وأعيد تداولها على نطاق واسع، تشير إلى أنه منذ العام 2007 وحتى اليوم، ونتيجة الحروب والاشتباكات لدينا 6 آلاف شهيد و70 ألف جريح، ومنذ عام 2015 ما يزيد على 80 ألف قضية ذمة مالية، وفي عام 2016 بلغ عدد القضايا 80398 وفي عام 2017 كانت 98314 أي أن الرقم تصاعدي.
وأضاف ذيب، أن عام 2017 شهد سجن ما يزيد على 12 ألف مواطن في غزة، أما عدد الذين دخلوا السجون منذ تسلم حماس الحكم فقد تجاوز 145 ألفا، ومنذ عام 2007 حتى اليوم حرم ما يزيد على 1.3 مليون فلسطيني من فرصة ضرورية للسفر، هناك 67500 مواطن بحاجة لعلاج طارئ لا يتوفر في غزة، أما نسبة الفقر فقد تخطت حاجز 69% ومنذ عام 2007 انخفض دخل الفرد في غزة بنسبة 62%.
وقال ذيب، إن هذه الأرقام مستمدة من مصادر متعددة؛ منها الإحصاء الفلسطيني والتنمية الدولية واليونسيف والأونروا ومنظمات غير حكومية.
الواقع يجيب
نشطاء فلسطينيون، علّقوا على واقعة وفاة الشاب السلطان، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وصبوا جام غضبهم على حركة حماس التي تحكم قطاع غزة، واتهموها أنها من أوصلت الشباب الفلسطيني إلى هذا الحد، الذي يدفع بهم لأن يخرجوا من الموت إلى الموت.
وعلى الرغم من غضب الشباب وسخطهم، تباينت أراؤهم حول فكرة الهجرة، فمنهم من يؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي حاول على مدار قرن بأكمله تهجير الفلسطينيين من وطنهم لكنه لم ينجح، بينما يرى آخرون أن الخلافات والمناكفات السياسية الداخلية التي تفاقم من معاناة شعبنا وشبابنا، وراء القبول بفكرة الهجرة، معتبرين أن "الشعب يتفهم المعاناة من قبل الاحتلال، لكنه لا يستوعب أبدا المعاناة بسبب الخلاف الداخلي، وبإجراءات غير مفهومة وغير منطقية".
وتتواصل هجرة الشباب والعائلات والكفاءات من قطاع غزة إلى دول الخارج، اذ هاجر عدد كبير من شباب قطاع غزة متوجهين إلى تركيا واليونان وبلجيكا والسويد وألمانيا، وفقد العشرات منهم في رحلات الموت عبر البحار، آخرهم الشاب صالح حمد، الذي خرج من قطاع غزة متوجهاً إلى دولة البوسنه والهرسك، وسقط في نهر مائي خلال هجرته البرية، ومازال مفقود حتي اللحظة.
وغادر قطاع غزة في الفترة الأخيرة العديد من الأطباء والصيادلة والأساتذة والكفاءات الفلسطينية العلمية بلا رجعة من قطاع غزة المحاصر منذ ما يزيد عن 13 عاماً، وتستمر الأوضاع الإنسانية المأساوية، وينصت الاحتلال جيداً لما يدور، مستغلاً حاجة الفلسطينيين في العيش بحياة كريمة.
وأمام الحلم الإسرائيلي بهجرة سكان قطاع غزة خاصة فئة الشباب، واستعداده لمساعدتهم في ذلك، يبقى السؤال المطروح، لمصلحة من يتم الإشادة بهجرة الشباب واعتبارها أمراً طبيعياً خاصة وأن الوضع الفلسطيني بشكل خاص يختلف عن باقي شعوب العالم في كونه شعب محتل يدافع ويحلم بدولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
المؤيدون لفكرة الهجرة والمعارضون، اتفقوا، على أن السبب، بعد الاحتلال، في الهجرة، يعود إلى الانقسام، فإذا كانت الفصائل ليست المسؤولة عما وصل إليه الحال في غزة، وأن التخطيط إسرائيلي بتقليص الرواتب من السلطة ساهم بشكل حاد بتحويل فكرة الهجرة، لكن الأمن في غزة وفرض الضرائب حوّلها إلى "رغبة جماعية" ولم تعد مجرد حالاتٍ فردية، وهي التي عبر عنها المجموع في وسائل التواصل الاجتماعي، فعندما تهان كرامة الرجل سواء من قبل عنصر أمن في وطنه كما حصل في شهر مارس/آذار الماضي حين اعتدى الأمن أثناء تظاهرات "بدنا نعيش" أو بتحويل موظف محترم مقترض إلى متسول أمام المخابز يصبح الوطن طاردا.