الرشاقة والجمال شيء محبب وهي مفاهيم تخطت بعدها الانساني أما إذا ما خصصنا للأصابع الرشيقة هي الأكثر نعومة ونحافة، بمعنى آخر قد تكون الأصابع غليظة وقد تكون مدببة وقد يحل محلها الآخر في حالات محددة مثل البتر، أو أي إعاقات أخرى. مرة أخرى لا يتوقف وصف الرشاقة على الأصابع الجميلة الناعمة الرفيعة، وإنما ما تنتجه هذه الأصابع، فكم من فنان أطرب الناس وجمهوره باستخدام عددًا من أصابعه في عزف منفرد على الناي أو العود أو اليرغول والشبابة؟ كم من الفنانين التشكيليين كان معبرًا في لوحاته التشكيلية عن التمسك بالثوابت الفلسطينية مثل لوحة جمل المحامل، ولوحة الانتفاضة وغيرها من الإنتاج الفني ذو قيمةٍ عالية؟.
كل ذلك يندرج في إطار الجهد الواقعي الملموس للأصابع الرشيقة، وفي مقدمتها تلك الكاريكاتيرات التي رُسمت بريشة الفنان الكبير الشهيد ناجي العلي ، صحيح أنه ابن المخيم وكل إشارات الكدح لازمته حتى استشهاده،كان يمتلك الأصابع الذهبية التي عبرت بصدق عن الإنسان الفلسطيني وهمومه ومعاناته وتطلعاته في العيش بكرامة وحرية وتمسكه بحق العودة والتي عبر عنها في أكثر من رسم وتعبير مرسوم، لكن هي الأصابع الرشيقة التي أنتجت فنانًا مقاومًا إنسانيًا.
إن كاريكاتير ناجي كان استراتيجية سياسية كفاحية إنسانية والتي لم تشر فقط بنقدها لل قطر ية، حيث كان البعد القومي حاضرًا في رسوماته. بعد ذلك، ماذا نستطيع القول؟.
بكل ثقة أن الأصابع الرشيقة التي تضغط على القلم، والريشة تفعل فعلها أكثر بكثير من تلك التي تضغط على حروف لوحة المفاتيح "الكيبورد"، أو الهاتف الخلوي، لسبب بسيط هو أنك مجرد أن تدخل إلى الشبكة العنكبوتية على عالم السوشيال ميديا تصبح في عالم غير واقعي افتراضي يفتقد للحيوية، ومن هنا تبدأ الحكاية، رغم أهميتها في سرعة التواصل وتحصيل المعلومات، وإلغاء المسافة بين الزمان والمكان "الزمكان"، والقدرة العالية على المناورة والترويج، إذ صار هناك فرق بين "رشيقة وأخرى"، والفرق حقًا جوهري.. فشتان بين أصابع رشيقة ترنو لمستقبل إنساني أفضل ملؤه الحرية والعدالة والسعادة الإنسانية، وأخرى عبثية فهلوية تبحث عن قتل الوقت، وإشاعة الحيرة والإحباط والمس بخصوصيات البشر ونصب الكمائن للإيقاع بالأبرياء في براثن التكنولوجيا الذكية وسيدها عدو الإنسانية من أوساط أجهزة المخابرات الصهيونية المعادية.
لا تقف الأمور عند هذا الحد والفهم وحرفية الرؤى والمواقف، فمهما تعاظمت إمكانيات (hightech) ، أي التقنية العالية الأكثر تقدمًا يبقى الدماغ البشري هو سيد الكون، وبالتوازي لا نستثني من الرشاقة الأصابع السيبرانية، أي الالكترونية التي تقصف المواقع والهياكل والطائرات والمنشآت الاقتصادية، إلى درجة أنها استطاعت أن تحل محل جيش مؤلل ومرابض مدفعية وصواريخ، إنها أصابع رشيقة نعم رشيقة، رغم أن مفهوم ومعاني الرشاقة تتعارض ونتائج القوة السيبرية وأقرب مثل على ذلك هو غرق كراكاس عاصمة فنزويلا في الظلام الدامس جراء الحرب السايبرية التي تشنها الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب على المنشآت الاقتصادية والخدماتية في فنزويلا، أيضًا القدرات السايبرية السورية في التمكن من تحويل وجهة الصواريخ المُعادية وحرفها باتجاه مناطق صحراوية وغيرها.. وحديثاً تمكنت المقاومة الفلسطينية من تسيير طائرات استطلاع وغير ذلك من الاستخدام التقني.
لعلنا كفلسطينيين وعرب بشكلٍ عام أحوج الأمم لامتلاك مقومات إلكترونية للحرب كونها تحل إشكالية "الحرب غير المتكافئة بيننا وبين العدو الإسرائيلي"، وصولاً إلى تحقيق الأهداف العربية القومية في هزيمة المشروع الصهيوني وغزوته للمنطقة العربية.