غزة- محمد عابد: مع غروب الشمس يلجأ غزيون إلى شاطئ بحر غزة "كورنيش" للترفيه عن أنفسهم والهروب من حر الصيف، في ظل انقطاع التيار الكهربائي المستمر، وارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير هذا العام، على كورنيش غزة، وفي ظل قلة أماكن الترويح عن النفس كالمتنزهات والحدائق العامة في قطاع غزة، قصص كثيرة، الحلو منها والمرّ، يأتي الغزيون إلى الشاطئ في محاولة منهم لتناسي هموم الحياة، المصطافون على الشاطئ من أطفال ورجال ونساء كل له حكاياته وطقوسه الخاصة، منهم من يحب السباحة، وآخرون يتسامرون فيما بينهم وأطفال تراهم يطلقون طائراتهم الورقية وآخرين عشقوا ركوب الخيل والجمل، وهناك عائلات جاءت لتختلس بضع دقائق من السعادة والفرح، ليصبح الكورنيش مكانا ترسو عليه همومهم في الوقت الذي ضاقت بهم كافة السبل، بينما علي جانب آخر ترى أطفالًا سُلبت طفولتهم وهم لا زالوا في عمر الزهور، يحملون بين أيديهم بضاعتهم التي يعتبرونها مصدر رزقهم الوحيد، منهم يبيع الذرة والمكسرات، وهناك على رصيف الكورنيش تجد شاباً رسمت على وجهه كل علامات البؤس يقف أمام عربة لبيع الذرة والبطاطا المشوية، أو عجوزا ستينيا يقف على بسطة لبيع الشاي والقهوة، هناك على الكورنيش لكل زائر حكاية وقصة، وبشكل يومي تختلف وجوه الزوار وتتشابه القصص.
"الكوفية" التقت ببعض زوار كورنيش مدينة غزة، وأعدت التقرير التالي:
نحاول الفرار من واقع البلد المزري
أم أحمد تقول لـ"الكوفية": "نأتي إلى الكورنيش مرة كل أسبوع، برفقة عائلتي التي أصبحت كبيرة نوعاً ما، فأنا أصطحب بناتي وأطفالهن خاصة في فترة الإجازة الصيفية إلى هنا، وأكون في قمة سعادتي حين أرى أحفادي يلعبون هنا، حين أرى البسمة ترتسم على شفاههم، وشفاه بناتي أيضا، نأتي إلى الكورنيش لتغيير الجو والاستجمام".
وتضيف أم أحمد: "نحاول الهرب من حرارة المنازل خاصة في ظل انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، وارتفاع نسبة الرطوبة في منازلنا، نحاول الفرار من واقع البلد المزري ونختلس بضع ساعات نقضيها في الطبيعة".
وتتابع، "أكثر ما يسعدني هو منظر البحر الخلاب الرائع، وكذلك جمعة العائلة التي لا يمكن لأحد أن يصف جمالها وروعتها".
الأطفال يحبون اللعب على شاطئ البحر
الابنة الأصغر للحاجة أم أحمد تقول: "جمال المكان هنا يكمن في الزحمة، نحاول كسر الروتين اليومي، وأطفالنا يحبون اللعب على شاطئ البحر ويقضون أوقات جميلة هنا، والأجمل هنا أن هذه الرحلة تأتي بشكل عفوي غير مخطط لها، وكذلك الأسعار مناسبة للجميع، خاصة وأننا نقوم بتجهيز الطعام في البيت وكل ما نحتاجه من طعام وشراب فقط ندفع 10 شواكل أجرة حجز الطاولة، وهذا يعتبر مبلغا قليلا جدا".
أم فراس تقول: "على شاطئ بحر غزة الأجواء جميلة للغاية، وما يضيف إلى هذا الجمال جمالاً هو لمة العائلة حولنا، والطبيعة الجميلة، وجمال البحر والألعاب، وسعادة طفلك وهو يلعب ويتنقل كالفراشة من أرجوحة إلى أخرى".
وتضيف أم فراس: "نقوم بتجهيز مستلزمات الرحلة في المنزل ونحاول الحفاظ على نظافة المكان قدر المستطاع وأخذ كافة الاحتياطات لعدم وصول الرمال إلى الطعام أو الشراب، وليبقى الطعام نظيفاً، والرحلة هنا غير مكلفة والأسعار تناسب جميع الفئات".
الجميع يبتسم ويلعب ويركض
هناك على طاولة ازدحمت بالسيدات تجلس ميرفت برفقة صديقاتها وتقول لـ"الكوفية" والبسمة ترتسم على شفتيها: "هذه المرة الأولى التي أتي فيها إلى الكورنيش، جئت برفقة صديقاتي، وللوهلة الأولى شعرت بطعمٍ مختلفٍ للحياة، الجميع يبتسم ويلعب ويركض، الجميع يبحث عن السعادة هنا، حتى الأطفال يبحثون بطرقهم الخاصة عن سعادة لهم".
أجواء تعطيك انطباعا بجمال غزة التي لا يعرفها البعض
وتتابع ميرفت: "أجمل شيء هو لقائي بصديقاتي، خاصة أن التواصل كاد أن ينقطع بيننا منذ فترة، وكذلك منظر البحر الرائع والزحمة والأغاني التي تبعث من البسطات هنا وهناك، تعطيك انطباعا بأن هناك غزة جميلة لا يعرفها البعض".
رسم البسمة على شفاه الأطفال
على رصيف الكورنيش يوجد أبو عبد الله الفأر صاحب بسطة الذرة الشهيرة هناك، أبو عبد الله أب لطفلين، أوجد لنفسه فرصة للتغلب على ظروف الحياة الصعبة، يعمل بائعا للذرة المشوية والمسلوقة في الصيف والشتاء يقول لـ"الكوفية": "موسم الذرة المتعارف عليه هو فصل الصيف، حيث تبلغ الذروة في البيع هنا، خاصة مع زيادة عدد رواد الكورنيش، والحمد لله لنا زبائن، وهناك إقبال على الذرة لأنها فاكهة الكورنيش كما يسميها البعض".
ويؤكد أبو عبد الله، أنه "يقوم بشراء الذرة من المزرعة بشكل يومي لتكون طازجة، وأن بيع الذرة هو مصدر رزقه الوحيد، وبشكل يومي يحصل على ما يسد به جوع أطفاله الصغار، وما يساعده على ذلك هو الأسعار التي تناسب الجميع، وحتى لو جاء أحد لا يملك المال فإننا نعطيه مجانا، في محاولة لجبر خاطر الأطفال الصغار تحديدا، ورسم البسمة علي شفاههم".
ويبقى لسان حال أهالي قطاع غزة رغم الدمار والحصار والحروب والتجويع والفقر الشديد والأزمات التي يمر بها القطاع، أننا سنستمرّ بزرع الأمل في نفوس أطفالنا وأهلنا، سنبقى نبحث عن السعادة التي حرمنا منها، لأننا بشر كباقي البشر في العالم ويحق لنا ما يحق لغيرنا من فرح وسعادة.