كان من المتوقع أن تبادر حكومة رام الله "الجديدة" برئاسة د. محمد أشتية على تقديم "رشوة خاصة" لأهل الضفة الغربية والقدس، حيثما لها صلاحيات أمنية محسوبة مع سلطات الاحتلال، وتكف عن حملاتها فاقدة "الوعي" لمطاردة كل من تراه الأجهزة الأمنية "خطرا ضمن مقياس "الولاء المطلق" لرئيس السلطة وحساباته السياسية.
ولكن، الهدية الكلامية التي تحدث عنها الوزير الأول في الحكومة العباسية، حول ضمان الحريات وعدم المساس بكرامة المواطن، تحولت الى نقيضها تماما، وأصبح الإرهاب سيفا مسلطا إما الاعتقال أو التهديد به، والملاحقة المستمرة لمن يرونهم غير ذي أهل للثقة للرئاسة وأدواتها، الى جانب الوسيلة الأكثر دناءة التي يمثلها قطع الرواتب والاحالة للتقاعد والطرد من العمل بأشكال مختلفة.
ولأن دولة الكيان تدرك القيمة الأمنية الثمينة لأجهزة السلطة، وافقت أخيرا لحكومة رام الله، بأن تستورد عشرات المدرعات الخفيفة، مكافأة لها على ما تقوم به من مهام تحمي ظهر قوات الكيان، وتحاصر أي محاولة رفض للمحتلين، شعبية ام مسلحة، ما يساعدها أن تحد من تطور الغضب المخزون ضد العدو المحتل واداته المساعدة.
الفضيحة ليست في تنامي الإرهاب الأمني لأجهزة حكومة الرئيس محمود عباس، بل في أن تستورد سيارات قمع بمبالغ مالية باهضة، وهي تتحدث عن "أزمة مالية" تضرب موازنتها، حكومة أول منجزاتها أن تستورد سيارات للقمع الأمني ومطاردة مخالفيها، على حساب المواطن وراتبه الذي يتبخر بقرار محسوب تماما لخدمة "أهداف سياسية" يتم تمريرها تحت "يافطات مخادعة".
والمفارقة المثيرة للدهشة، كيف ان حكومة عباس لم تعتقل أو تلاحق أي من "رجال خطة ترامب" المعلومين جدا لها ولأجهزتها أسماء وصورا، ويتحركون علانية دون أن تقيم وزنا لأجهزة عباس الأمنية.
ومقابل ما تفعله "الحكومة العباسية" في الضفة وآثار ذلك السياسية على المستقبل الذي دخل نفقا أكثر سوادا، فما يحدث في الشق الجنوبي من "بقايا الوطن"، يشكل حلقة تكميلية لمسلسل إرهاب المواطن، ولفرض حالة من "الرعب السياسي" المسبق، تمهيدا للقادم، الذي تسير كل من حكومتي الأمر الواقع على تنفيذه كل بطريقته الخاصة.
الإرهاب الداخلي في قطاع غزة يتصاعد بلا حدود، ويتأخذ اشكالا متعددة، مطاردة للمنتقدين والمخالفين لأي موقف لـ "حكومة حماس"، التي بدأت تتصرف كحكومة مستقلة كليا، ولم تعد تقيم وزنا لرافضيها، ولكي ترسخ من وجودها لجأت لفرض جو إرهابي عام.
متابعة الشأن الغزي يفتح الباب أمام مظاهر تعدي شمولية على الحياة العامة سلوكا ومواقفا، وهو ما يمثل مظهرا من مظاهر فرض "الدعشنة الاجتماعية"، ما يفوق خطرا من البعد البوليسي لحرية الراي، ما يفرض تحركا سريعا من قوى تدعي رفضها لـ "الداعشية" الفكرية – الاجتماعية.
وحدة الإرهاب الأمني العام بين حكومتي الأمر الواقع في شمال وجنوب "بقايا الوطن" ليس تعبير أمنيا فحسب، بل هو مقدمة سياسية بمظهر أمني للتعايش مع منتج الخطة الأمريكية للسلام "صفقة ترامب"، التي تتسارع خطى تنفيذها رغم الضجيج الإعلامي حول رفضها.
بالتأكيد، من مشجعات تنامي الإرهاب في جناحي بقايا الوطن، صمت القوى السياسية التي تدعي أنها ممثلة للشعب الفلسطيني، صمت يثير كل أشكال الريبة بأنها باتت متواطئة ضمن معادلة مشتركة، بدأت حكومتي الأمر الواقع في استخدامها ضمن أزمة مالية خانقة تمر بها تلك الفصائل، معادلة "الصمت مقابل المال"، على طريق "الازدهار مقابل السلام"
قبل أن يقال يوم لا ينفع الندم...لتغضب القوى رفضا لإرهاب أمن حكومتي الأمر الواقع، بالتوازي مع غضبها على صفقة ترامب التي تسير أيضا على عجلة قطار القمع والإرهاب!
ملاحظة: ما يجب الاهتمام به من مختلف مكونات الشعب الفلسطيني، ليس من يرفض الذهاب الى مؤتمر "القتل السياسي" للقضية الوطنية في البحرين، بل من سيذهب باسم فلسطين فيها...تلك هي المسألة يا سادة!
تنويه خاص: هل تصمت القوى الفلسطينية على فضيحة عباس بعد رفض محكمة جنائية دولية قبول دعوته ضد محمد دحلان...فضيحة ليس أن يستبدل ملاحقة العدو بملاحقة مخالف، لكن الفضيحة الأكبر الصمت على فعلة عباس هذه!