بعد قرار البرلمان الألماني، اعتبار مقاطعة إسرائيل إقتصادياً نوعاً مما يُسمى "اللا سامية" وعلى الرغم من بهجة حكومة نتنياهو بهذا القرار المخالف للسمو نفسه؛ فإن إسرائيل لا زالت ترى أن المقاطعة لا تزال تتقدم على المستوى الدولي، بسبب السياسات العنصرية التي تتبعها الدولة العبرية، ولا زالت تُفاقم فعالياتها في سلوكها اليومي، حتى أصبحت تركز أكثر على المواطنين العرب الفلسطينيين في هذه الدولة. فلا علاقة في الواقع، بين الإجراء الإحتجاجي اللا عنفي الذي تمثله المقاطعة، ومفهوم السامية، التي هي في الأصل صفة تشمل العرب والأشوريين واليهود، وتقع أفعال معاداتها، عندما تُمارس الجرائم ضد المجموعات البشرية المنتمية الى هذه الشعوب. وفي الواقع إن الألمان هم آخر من يحق لهم أن يخطئوا في تفسير معنى اللا سامية، لأن المصطلح نفسه أطلقه باحث ألماني، وصف به موجة العداء لليهود في أوروبا الوسطى في أواسط القرن التاسع عشر، وليس للمعترضين اليوم على سياسات إسرائيل العنصرية علاقة بتلك الموجة من العداء لليهود كيهود، ولا عُرف عن العرب في التاريخ أنهم اضطهدوا اليهود، بل عُرف العكس إذ كانت المجتمعات العربية والإسلامية هي التي آوت واستوعبت اليهود الذين هربوا من البطش والعنصرية والإبادة في أوروبا.
تعبير اللا سامية الذي أراد البوندستاغ الألماني سحبه على أصحاب الضمائر الإنسانية الذين يعارضون سياسات إسرائيل التي تزداد عنصرية وقبحاً، بات يُستخدم في سياق المحاباة السياسية لإسرائيل، وكأن المطلوب من ضحايا دولة الإرهاب الصهيونية، أن يسددوا فاتورة الفظائع النازية التي أرتكبها الألمان بحق اليهود وحق شعوب الجوار الأوروبي.
ومن المفارقات، أن بعض الكتاب الإسرائيليين الذي سجلوا ردود الأفعال المرحبة بقرار البرلمان الألماني، استشعروا ضعف الحجج التي تذرع بها أعضاء البوندستاغ، عندما قرروا تأثيم مقاطعة إسرائيل إقتصادياً واعتبار المقاطعة نوعاً من "اللا سامية"، فقال هؤلاء إن المقاطعة ليست ضد الاحتلال، وإنما هي ــ في نوايا روادها والداعين اليها ــ ضد وجود إسرائيل. كذلك اعترف بعض المعلقين الإسرائيليين، أن هناك من بين مؤيدي المقاطعة وناشطيها أناسٌ "يعتقدون بحق وببراءة بأن هذا نوع من الضغط الشرعي وغير العنيف على إسرائيل، لغرض تحقيق السلام والدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل".
وبحكم طبائع إسرائيل التي يستحيل أن تُعرب عن رضاها الكامل على من يمالئونها ويخدمونها ويساعدون على التضليل الذي يغطي على جرائمها؛ صدرت أصوات صهيونية تدعو الى عدم الإرتياح الكامل للقرار الألماني، بحجة أن حركة المقاطعة بكل فصائلها ومنظماتها تواصل العمل في بلدان الغرب كله. وتعمدت هذه الأصوات، تذكير ألمانيا بأن المقاطعة تحظى بنجاح مستمر ومتزايد في مجالين هما الأهم على صعيد عالم المعرفة، وهما الإعلام والوسط الأكاديمي. وسلط الكاتب اليميني "بن درور" في صحيفة "معاريف" الضوء على حقيقة أن ستين شخصية أكاديمية من إسرائيل وقعت على مناشدة للأحزاب الألمانية، لعدم التشبيه بين مقاطعة إسرائيل واللاسامية. ونوّه "بن درور" الى أن مناشدة الأكاديميين الإسرائيليين قد فشلت، بعد أن تجاهلها البرلمان الألماني، لكن المقاطعة لا زالت ــ حسب قوله ــ تحقق الكثير من الإنجازات!
من خلال هكذا ردود أفعال إسرائيلية، نلاحظ أن الأطراف العربية الرسمية، بما فيها الطرف الفلسطيني؛ لم تكن معنية بالترويج في ألمانيا لمناشدة الأكاديميين الإسرائيليين للأحزاب الألمانية، ولم تفعل شيئاً لكي لا يمضي البرلمان الألماني في الخلط بين المقاطعة لأسباب سياسية واعتراضاً على ظاهرة إمبريالية، وظاهرة أرووبية تاريخية سماها باحث ألماني "اللا سامية". ويجدر القول إن ردود الأفعال الإسرائيلية، تعمدت تذكير من يقللون من شأن المقاطعة، بأن هذا التدبير الذي يمثل الحد الأدنى من المساندة للعدالة وللحق الفلسطيني، لا تزال إحدى الوسائل المتاحة، في التصدي للتضليل الإسرائيلي، وللتوسع الصهيوني في العلاقات الإقتصادية الدولية