يصادف الخامس عشرة من مايو من كل عام ذكرى النكبة الفلسطينية الكبرى، التي على إثرها هُجر أجدادنا من ديارهم تاركين قلوبهم وعقولهم خلفهم، والبعض الآخر ترك ضميره ووطنيته.
لم تتوقف اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء الشعب الفلسطيني المكلوم من خلال تهجيرهم من أراضيهم فقط، بل تزايدت حدة الاعتداءات بحقهم - متزامنة مع صمت الرأي العام العالمي- لتتجدد نكبتهم بنكسة ثم انتفاضة أولى فثانية، إلى أن وصل تمادي الاحتلال لاغتيال أبا الفلسطينيين والقائد التاريخي لهم الرئيس الراحل ياسر عرفات " أبو عمار"، التي شكلت نكبة جديدة أخرى، وبحيثياتٍ وقواعدٍ جديدةٍ غير مُعلنة، وبالرغم من ذلك زاد الصمت الدولي والتحق به الصمت الفلسطيني والعربي، فتسارعت وتيرة الاحتلال في محاولة لبسط سيطرته وسيادته على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، مستغلين بذلك حالة التخبط السياسي الذي خلفه استشهاد الرئيس عرفات على الشارع الفلسطيني وقيادته. ولم تتوقف مخططات الاحتلال بتغلغل التام في جميع أنحاء فلسطين حتى تلك التي تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، فقام الاحتلال اللعين بزرع الفُرقة بين الفصائل الفلسطينية، مما أدى لنشوب الانقسام الداخلي بين الفصائل عامًة والقيادات خاصًة، تشرذم الشعب الفلسطيني بين مدفعٍ وطائرات الاحتلال و طلقات الاقتتال الداخلي الفلسطيني الذي أدى لمقتل العشرات وإصابة المئات، وانقسام ما تبقى من الوطن المحتل بين سلطتي الضفة وغزة، وأدى ذلك إلى تصدع الجبهة الداخلية وتتابع الويلات على الشعب الفلسطيني عامة وأهالي غزة خاصة.
ولم يهدأ الاحتلال حتى أثخن الجراح والنكبات فبعد عام من الانقسام قررت الكابنيت الصهيونية تعميق الجراح الفلسطينية بحرب مفاجأة على غزة، ثم تلتها ثلاثة حروب وحرب استنزاف مستمرة ، مما أدى إلى تشريد وقتل وجرح الآلاف من أبناء فلسطين، وخلال تلك الحروب العدوانية تكررت صور النزوح والهجرة الفلسطينية كأنها شريط فيديو يعيد الذكريات الأليمة فيما تبقي في أذهان الفلسطينيين لنكبة عام ١٩٤٨، وعلى الجانب الآخر من الوطن المحتل مارس الاحتلال أبشع الصور من خلال مصادرة الأراضي وهدم المنازل الفلسطينية والتغول الاستيطاني، استفحل الاحتلال عن طريق مصادرتها وتجريفها وهدم ما فيها، بضمها لقوائم الموت التي حصدت أرواح الفلسطينيين وأراضيهم.
أخطأ من قال أن الهجرة والنكبة كانتا في عام ١٩٤٨، فالنكبة بداية للمشروع الإسرائيلي الذي كان يهدف لحصر الشعب الفلسطيني داخل مناطق صغيرة للسيطرة عليها والتحكم بها كيفما أرادوا وتهجير الشعب الفلسطيني لطرق ووسائل جديدة، فاليوم تكتظ شوارع قطاع غزة بصدى الصوت الذي خلفه المهاجرون بعدما تكررت نكباتهم عاماً بعد عام على الرغم من أن طيف العودة لايفارق الأبناء والأحفاد.