لسنا في حاجة الى إقناع أي فلسطيني، بأن اللغة التي يستخدمها د. محمود الزهار، استثنائية في شططها وانزياحها عن أي منطق سويْ. فقد أخذتنا تصريحاته، في العديد من المرات، الى تنبيه حركة حماس بأن هكذا صوت، وهكذا لغة، من شأنهما الإساءة لحركة كبيرة، تطرح نفسها كقوة أمسكت بناصية الدين الحنيف، الذي يَنهى عن تكفير وتخوين المسلم حتى بجريرة المعاصي، ويُذكّر المٌكثرين من الاتهام بأن أقوالهم المحمولة بأجنحة الهوى والتشهي، ترتد عليهم ظلالاً من الشكوك في مقاصدهم ووقوعهم في الإثم العميق في ميزان الشرع.
اتهامات الزهار لمجاميع الناس بالجوسسة التي هي أعلى مراحل الكُفر والخيانة؛ له حكم آخر أو معنى آخر في ميزان السياسة بعد ميزان الشرع. فعندما تكون فتح، حركة كبيرة ورائدة في الكفاح الوطني، وتُتهم بالجوسسة، فإن لذلك معانٍ ضالة، لا نريد أن يتلبّسها الزهار، والد شهيدين من أبنائنا. المعنى الأول، هو الإدعاء الباطل، بأن العدو نجح في تحويل جموع كثيرة من الوطنيين، من أبناء شعبنا المظلوم، الى جواسيس له، بعد أن نجح في استقطاب مرضى نفسيين وأوغاد لم يعرفوا في حياتهم أية قيمة دينية وإنسانية ومعرفية. وبهذا المعنى يصبح معظم الشعب، جاسوساً، ويكون الاستثناء هو الزهار الذي يتعين عليه أن يفتش عن جواسيس آخرين اخترقوا حركة حماس نفسها، طالما أن الطوفان قد حصل. وهذا المعنى بحد ذاته، يمثل هدية للعدو، تطمس ضمنياً كل قبائحه، وتصطنع له جماليات سحرية إفتُتن بها ضحاياه فتحولوا الى خدمته!
المعنى الثاني، أن لدى الرجل المُكثر من التخوين، مشكلة عميقة، إما نفسية أو تنظيمية مردها انكسار حُلم قديم بالزعامة والوجاهة الأولى، لذا تراه يطرح نفسه متشدداً في الذود عن المقاومة لا يجاريه أحد في تشدده، لكي يدغدغ مشاعر الشباب الذين تشبعوا حتى النخاع بفكرة الزلازل، بينما نحن كشعب وأمة لا زلنا عاجزين عن زلزلة أية أرض، بل نحن المعرضون لكل أنواع الفتك بنا، ومضطرون لأن ندافع عن وجودنا نفسه، بالوسائل المتاحة، وأن نحسب ونحاذر. فقد باتت الشعارات ذات الوعود القصوى، أشد ضررنا علينا من الرقاعة السياسية نفسها، وأصبح الأخذ بناصية الرشد يقتضينا تجميع إرادة الوطنيين الملتزمين، والعمل حثيثاً في ميدان السياسة، لكي نستعيد ولو الحد الأدنى من التوافق على حماية مشروع الاستقلال الوطني. فإن كان العدو يأخذ منا معظمنا، فما الذي تبقى لأن نحقق به إجماعاً؟
عندما يرغب واحدنا في التعرض لسياسات خاطئة ومنحرفة، لا بد أن يلجأ الى التبعيض أي الحديث عن البعض المنحرف، لا الإدعاء بأن الغالبية مضروبة. وفي حال استخدام الأسلوب الثاني، بلا أي منطق، فإننا نخدم العدو عن قصد أو من غير قصد، وهذه هي بالضبط مشكلة الزهار. فالرجل عندما يُعمم يُستنكر شعبياً، وبالتالي لا يؤثر وإنما يفتح خطاً لسجالات فلسطينية داخلية، يُفترض أنها أصبحت وراءنا وبتنا في غنى عنها. فإلى متى سنظل نتهاجى، بينما العدو يعربد والممسكون بمقاليد أمورنا، وهم الفئة القليلة، ماضون في إيذائنا وتفريق جمعنا. فالزهار يهجو كل فتح وكل منظمة التحرير الفلسطينية، وكان ولا يزال الأوجب، أن يعبر الإسلامي الوطني عن اعتزازه بشعبه وبالإرث الكفاحي الكبير للمناضلين جميعاً قبل وبعد ظهور الحركة الإسلامية، وأن يتحاشى تشويه صورة المجتمع وقواه السياسية بأثر رجعي. ففي تصريحات سابقة للزهار، هاجم الرجل حتى دفاع الوطنيين عن ثورة المقاومة في الجوار العربي، ودافع ضمنياً عن مواقف الذين أرادوا القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، وأيد المزاعم التي استُخدمت إعلامياً لتغطية المذابح حتى التي تعرض لها المناضلون الفلسطينيون واللبنانيون على أيدي المارونية السياسية حليفة العدو في تلك الأيام!
كل ذلك بينما الزهار يتوهم هو وحده، أن لغته هذه لصالح حماس والمقاومة ولصالح فلسطين. لقد آن الأوان لأن يعلم العكس، وأن تعلم حماس نفسها، أن الرجل يُسيء اليها. وإن لم تعلم وتتصرف، سيكون صحيحاً ما يقوله الكثيرون، وهو أن الزهار يعبر عن حقيقة رأيها ورؤيتها