في خطوة تفتح كل أبواب الريبة السياسية، قررت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليه، تأجيل نشر قاعدة بيانات بأسماء الشركات العاملة بالمستوطنات الإسرائيلية والأجنبية في الضفة الغربية المحتلة، المعروفة بـ "القائمة السوداء"، وعددها 206 شركة وأكثر.
وبالطبع "الذريعة" التي استخدمتها باشيليه، أن هكذا معلومات تحتاج لمزيد من الوقت والتدقيق، كونها حديثة التكليف، وأكدت في رسالتها لتبرير التأجيل، "... أن مكتبها يعتزم الانتهاء من هذه القاعدة ونشرها خلال الشهور المقبلة.
والحقيقة، ان التقرير يناقش منذ سنوات، ومقدم الى مجلس حقوق الإنسان، منذ زمن الأمير رعد بن زيد، عام 2016، والذي قرر تأجيل عرضة "القائمة السوداء" للشركات العاملة في المستوطنات"، لمزيد من الوقت والبحث والتدقيق أيضا، على أن ينتهي ذلك في 2018. ونشر تلك القائمة باعتبار العمل في المستوطنات انتهاكا صريحا لكل القرارات الدولية، وتشجيعا صريحا لأحد أشكال "جرائم الحرب" التي تمارسها دولة الكيان، دون أدنى حساب أو "تدفيع الثمن".
ولعل ما ذكره، برونو أوجارتي من منظمة مراقبة حقوق الإنسان في بيان بعد قرار باشيليه، يمثل أحد جوانب مخاطر القرار: "توسع السلطات الِإسرائيلية الوقح في المستوطنات غير القانونية، يؤكد السبب وراء ضرورة نشر الأمم المتحدة لقاعدة بيانات الشركات التي تسهل (إقامة) هذه المستوطنات".
وأضاف: "كل تأخير يرسخ انخراط هذه الشركات في الانتهاكات الحقوقية المنهجية، التي تنشأ من المستوطنات غير القانونية".
قبل أيام من قرار المفوضة السامية، غير المبرر قانونا وسياسة، حثت جماعات حقوقية ونقابات عمالية فلسطينية، في رسالة بتاريخ 28 فبراير(شباط) باشيليه على نشر قاعدة البيانات، مؤكدين إن تأخير نشرها بشكل أكبر سيقوض مكتبها ويعزز ما وصفته "بثقافة سائدة بالإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم المعترف بها دوليا في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
المؤشرات لقرار تأجيل "قائمة الشركات السوداء"، أنها جاءت استجابة لضغط أمريكي – إسرائيلي، بعد أشهر من المحاولات كي لا ينشر هذا التقرير، والذي كان سيمثل أداة قانونية لمطاردة كل الجهات التي تتجاهل قرارات الشرعية الدولية، وقبلها القانون الدولي، ودعما مباشرا لحركة إرهابية تمارس كل أشكال الجرائم المعادية للإنسانية ضد الشعب الفلسطيني، سواء بمصادرة أرض وتهجير أهلها، او جرائم قتل وحرق تنفذها الحركة الاستيطانية، ادان تنفيذ حصار المشروع الوطني الفلسطيني.
قرار باشيليه، بتأجيل "القائمة السوداء" يشكل "هدية سياسية" للحراك الأمريكي و"صفقة ترامب الإقليمية"، والتي تبحث عن عملية تقاسم وظيفي في الضفة الغربية، بعد ضم ما يزيد على 10 % من الضفة الى دولة الكيان، لترسيخ المشروع التهويدي.
من المفارقات أن تقرر السيدة مفوضة حقوق الانسان تأجيل تقديمها تقرير "القائمة السوداء" بعد لقاء مع الرئيس التنفيذي للمؤتمر اليهودي العالمي روبرت سينجر، في شهر فبراير (شباط) الماضي، وحثها على إلغاء قاعدة البيانات. ولذا كان منطقيا جدا أن يسارع المؤتمر ليكون أول المرحبين بتأجيل النشر.
ويبدو أن وصف المندوبة الأمريكية المستقيلة نيكي هيلي، للتقرير بأنه "مضيعة للوقت والموارد" ويصب في اتجاه "معاداة إسرائيل"، هو الذي حكم قرار السيدة باشيليه، وليس البحث عن مزيد من الدراسة لمعرفة الشركات العاملة، والتي باتت معلومة جدا، رقما وأسماء.
ولكن غياب قوة الردع هو الذي ساهم عمليا في قرار تشجيع الحركة الاستيطانية الإرهابية، بمنع نشر "القائمة السوداء"، والتي كان يساهم نشرها في منح حركات المقاطعة قوة مضافة.
والسؤال، هل حقا الدول العربية، قبل غيرها، تريد فعلا نشر تلك القائمة السوداء التي تضم شركات أمريكية وأوروبية كبرى لها فروع في غالبية البلدان من المحيط الى الخليج.
هل يمكن لمكتب المقاطعة في الجامعة العربية ان يقوم بنشر تقرير "القائمة السوداء"، خاصة وأنه تملك نسخة من التقرير.
هل تقوم تنفيذية منظمة التحرير بفعل كهذا، أم أنها مقيدة بعدم تطبيق قرارات فك الارتباط الاقتصادي مع الكيان!
رفض الاستيطان ليس بيانات مملة وتصريحات غبية، وسلوك بليد، بل هو فعل ونشاط جاد يتكامل مع حركة المقاطعة العالمية.
ملاحظة: تناثرت حركة توزيع الأوسمة والنياشين من رئيس سلطة الحكم المحدود، وهو عمل مشكور بشكل عام، لكن أليس الأجدر ان يمنح حركة المقاطعة العالمية الوسام الأرفع...فكروا فيها أقله لرد العين عن بعض "المنح بدل النفاق"!
تنويه خاص: كثرت في الآونة الأخيرة تصريحات نفي أقوال بعض من أعضاء مركزية فتح (م7) وتنفيذية المقاطعة، المثير للشبهات أن النافيين يهددون بملاحقة من قام بالنشر "كذبا"، لكن في الواقع لم نقرأ رفع قضية واحدة لتأكيد "نفيهم الكاذب"!