كأن مأزق الوحدة الوطنية الفلسطينية، أصبح يتكثف في تصريحات رجل واحد، هو النائب عن حماس وعن خان يونس، صلاح البردويل. فقد تقصدت وزارة الإعلام الفلسطينية البردويل، بتصريح مرعد، يزعم أن الرجل يحرف البوصلة في مسيرة العودة، وهي البوصلة، التي تفترض الوزارة، أن عباس وحلقته الضيقة قد سهروا طويلاً على ضبط إحداثياتها، ثم جاء البردويل لكي يحرفها!
كل ما يقوله صلاح البردويل، أنه يرفض التمكين البات لحكومة الحمد الله ومعها من هم وراءها في الأمن وفي السياسة. وفي تقديرنا إن تصريحات البردويل ناقصة وتطرح شقاً واحداً من المعادلة. فلعل الرجل لم يتطرق الى الشق الثاني تخففاً، وإلا سيصبح هو الذي يحرف البوصلة في الإقليم كله. ويقيننا أن البردويل، لو كان يمتلك مثل التكتيكات السلطوية اللئيمة التي رافقت موضوع المصالحة كله واشتملت على حكاية المتفجرة؛ لطرح المعادلة بشقيها، ولجعل رفضه للتمكين البات، مُغلّفاً بالموافقة عليه من حيث المبدأ، والرفض في الجوهر، من خلال التنويه الى المستلزمات الدستورية والقانونية كشروط للتمكين، وتلك مستلزمات تحتاجها الضفة أكثر من غزة، وتحتاجها القضية أكثر مما تحتاجها حماس، ويحتاجها المجتمع الفلسطيني أكثر مما تحتاجها حلقات المتنفذين على جانبي الخصومة. فإن كانت الفأس، قد وقعت في رأس شعبنا الحبيب في الضفة، فالأجدر أن تحفظ بقية شعبنا في غزة وفي الشتات، رأسها من فأس القبضة الأمنية الضالة، والتفرد السياسي ورفع حواجز الفصل بين السلطات، والبذخ السلطوي الذي تكبحه القوانين الفلسطينية. فلا بأس من التمكين الواجب، بعد الإجابة عن سؤال جوهري: من الذي سيتمكن وما هي منهجيته ونواياه؟ هل سيضمن التمكين للناس حرياتهم السياسية وكل ما نص عليه القانون الأساسي من بنود الحقوق السياسية وتفصيلاتها، أم إن المتمكن سوف يزدري المقاومة والمؤسسات الدستورية والفصائل والأشخاص الناشطين والمجتمع كله ويتهدد الناس في أرزاقها؟!
للأسف لم تُطرح هذه الصيغة، في كل المداخلات الرافضة للتمكين، فأصبح رفض الفكرة، وفي قلبها موضوعياً الخشية من ممارسات من يطلبونه؛ مداخلات ناقصة وتحتاج الى العديد من العناصر السياسية، كأن نقول مثلاً، إن التمكين لحكومة واحدة للشعب الفلسطيني، مُرحبٌ به، لكن شروط نجاحه واستمراره لكي لا يتحول الى نزاع أهلي، بحكم تداعيات التدابير الخاطئة؛ تقتضي التوافق على حكومة انتقالية ذات صلاحيات، تلتزم قواعد دستورية، ويكون الأمن مضطراً الى التزام الشروط التي نصت عليها وثيقة المصالحة التي صيغت ووقعت عليها الأطراف في القاهرة يوم 5/4/2011 وهذه تقتضي أولاً إزاحة حكومة الحمد الله ورؤساء الأجهزة الأمنية، وتثبيت عقيدة وطنية لها، والتئام المجلس التشريعي، وإنفاذ بنود الوثيقة الدستورية!
نعلم أن الكادر الفلسطيني كله، يتمنى أن تخطو السلطة في الاتجاه الديموقراطي. بل حتى الذين يكتبون نصوص البيانات لعباس، يشعرون بالمأزق الديموقراطي. فقد دفعهم وعيهم الباطني قبل أيام، الي القول في بيان لعباس، يُهنيء فيه محامي فتح على نجاحهم في انتخابات نقابتهم، الى القول إن العملية الانتخابية التي سادت مؤتمر النقابة "تعكس المنهج الديموقراطي للحكم الفلسطيني". وبقدر ما كانت هذه الإشارة مثيرة للسخرية والألم في آن، إلا أنها تعكس بدورها هواجس المأزق، في الوعي الباطني لمن أعدوا البيان، وربما كان أولئك المعدون للبيان، قد أحسوا بالحرج عندما اعتقلت قوات الأمن، في اليوم نفسه، نحو مائة ناشط سياسي، وطلبت عن طريق نقابة المحامين، التحقيق مع بعض الصحفيين، على خلفية آراء عبروا عنها من خلال صفحات التواصل.
عزام الأحمد، الذي يتوهم أنه ابن ماء السماء، يتوعد الممتنعين عن حضور مهزلة الاجتماع الذي يريد عباس عقده تحت لافتة المجلس الوطني الفلسطيني، ويقول للفصائل ولحركتي حماس والجهاد، ما معناه إما أن تلحقوا القطار وتتشبثوا بعربته الأخيرة، وإما راحت عليكم. وبالطبع، لا علاقة لهذا الكلام بإرث منظمة التحرير الفلسطينية ولوائحها. فعندما طاف المرحوم الأستاذ أحمد الشقيري بأماكن التجمعات الفلسطينية، لاختيار أعضاء المجلس الفلسطيني لمؤتمره الأول في القدس، من الشخصيات الوازنة ومن كل الأطراف؛ حضرت كوكبة من مؤسسي فتح التي كانت في ذلك الوقت ممنوعة في مصر. فلم يستثن الرجل طيفاً حزبياً أو اجتماعياً وازنا، لكي يكون التمثيل الفلسطيني مكتملاً. أما المجلس الذي يريده عباس، فإنه يريده ناقصاً، بسبب استحالة وصول الآخرين الى مكان الانعقاد، واستحال أن يكون حضورهم لو حضروا مؤثراً. فالانعقاد يُراد له أن يكون مسخاً، بتمثيل ناقص، وانعقاداً لم يسبقه توافق، وليس له قاعدة تقوم عليها اية سياسة بالمعني الاجتماعي، وأن التمكين لحكومة الحمد الله بشروطها ومنهجيتها، هو الذي يريده طُلاب الانعقاد الناقص!
أما أن يصدر بيان، على مستوى وزارة، لكي يجعل صلاح البردويل هو الذي يحرف البوصلة، فهذا استهبال لا ينطلي على أحد!