في عملية استخفاف نادرة، ذهبت وفود لبعض فصائل العمل الفلسطيني الى العاصمة الروسية، تحت عنوان بات استخدامه يثير ضحك وسخرية.
اعلان تلك الفصائل موافقتها الاستجابة للطلب الروسي، ليس بحثا عن حل لكل ما كان من "عقبات" كثيرها "اصطناعي" في طريق إنهاء النكبة الانقسامية، بل ترضية للصديقة التي تقف مع الشعب الفلسطيني في ظل عداء صريح من الولايات المتحدة، ودينا مستحقا لموقف الاتحاد السوفيتي التاريخي مع فلسطين ثورة وقضية.
ربما للأصدقاء الروس رسائل سياسية خاصة من وراء تلك الدعوة، وهي ليست الأولى، وقد لا تكون الأخيرة، لكنهم قطعا يعلمون يقينا، أن اللقاء بين تلك المكونات لن ينتج منه ما يذيب بعضا من "صقيع التواصل الداخلي"، ولكن ما أريد القول لواشنطن، بأن الحل السياسي في المنطقة لن يكون "إحاديا"، ولن تبقى روسيا على مقاعد المشاهدين لمتابعة تنفيذ مخططات لن تنتج استقرارا في منطقة تشتعل بأكثر من زاوية، وأكثر من جبهة، وكل ما فيها ينذر بحرب لن تبقى "محدودة".
من حق روسيا كدولة تمتلك مفاتيح هامة، بدأت تعود بقوة لم يتوقعها الكثيرون لترسيخ وجودها السياسي – العسكري، كما لم يكن في زمن "الحميمية السياسية" مع الاتحاد السوفيتي، فروسيا اليوم ومع بوتين، تتعامل بعقلية "المصلحة الأممية" وليس "التضامن الأممي".
بالتأكيد، ليس ضررا الاستجابة لنداء موسكو، ولكن كان أكثر قيمة سياسية وتقديرا للشعب الفلسطيني، لو ان ناطقي الذاهبين اليها، تحديد سبب الموافقة، بأنها ليس سوى "تقدير سياسي للصديقة روسيا"، وان البحث لن ينتج ما يكسر جدار العزل الذي يعلو يوما بعد آخر بين مكونات "بقايا الوطن: بل بدأ يصبح بعضا منه "جدارا للفصل الوطني".
لم تعد مسألة المصالحة الوطنية ممكنة في ظل المشهد القائم، وكل حديث عنها ليس سوى ذريعة للذهاب أبعد نحو ترسيخ الفصل الانقسامي، وأن ترتيبات ذلك بدأت عمليا في جناحي ما يعرف بمسمى الضفة والقطاع، ولا يحتاج الانسان كثيرا لملاحظة ما يتم يوميا من خطوات "فصل رسمي" بين هناك وهنا، ليس بين فصائل وفصائل فحسب، بل تتجه نحو ما هو أكثر خطرا لتصبح بين مكان ومكان.
لا ينتظر الفلسطيني، نتائج غير السلبية من "لقاء موسكو الصقيعي"، وأن أي بيان يحتوي عبارات تشير الى مظاهر مصالحة ليس سوى نفاق علني وكذب رخيص، كما ان أي ابتسامات وضحكات متبادلة هي تكملة للمظهر الديكوري المستفز، لا أكثر.
لعل الأمل الكبير لو كان ممكنا، ان يتفق الملتقون بعيدا عن أرض فلسطينية، بوضع آلية لإدارة "الحرب الباردة" بينهم، والتي بدأت خارج حدود المنطق الوطني، وأن يتم تحديد أسس جديدة لعمليات "الردح السياسي" ضمن "قواعد ممكنة" وألا يصبح "التخوين قاعدة الانطلاق"، رغم حضورها في ملامح من سلوك لم يعد مجهولا.
أن تتوافق الأطراف الفلسطينية من أرض روسيا، بجوار الساحة الحمراء التي شهدت مسيرات احتفالية ضخمة شارك بعضا من ممثلي المشاركين الآن في "قعدة موسكو" فيها رافعين قبضتهم تأييدا للثورة والتضامن، على ما يمكن أن يكون قواعد "الفراق المؤقت"، بإمكانية العودة للتلاقي الوطني بعد إزالة عقبات الفراق، وليس بنية الخلاص النهائي.
البحث في إدارة تنظيم الاختلاف العام هو السبيل الأنسب راهنا، بدلا من أحاديث خادعة بمسمى "حوار المصالحة والوحدة الوطنية"، فقطبي الأزمة ومن حولهما لا يبحثان حلا لها بل يعملان لمزيد من تعقيدها، وغير ذلك ليس سوى نفاق.
فهل تنجح موسكو بكل ما لها من أثر إيجابي من وضع اسس لـ "إدارة الانقسام – الفصل" وليس حله!
ملاحظة: هددت سلطة رام الله، حكومة الكيان بأنها لن تستلم "أموال الجباية" لو تم خصم أي فلس منها...مع معرفة القاصي والداني بأن "أظافر الفرقة العباسية مع إسرائيل مقلمة جدا"، لكن كلها كم يوم وسنرى يا "سحس"!
تنويه خاص: حسنا اشارت قيادة مسيرات كسر الحصار، بأنها ستقوم بعملية مراجعة شاملة لما كان...الأهم أن تكون الشجاعة الحزبية بذات شجاعة المواطنين في المواجهة مع العدو...مراجعة بلا لعثمة أو تأتأة!