بعيدا عن كل "أمنيات" البعض أكان عبريا أم عربيا، بفشل أو إفشال "هبة يوم الأرض والعودة" في قطاع غزة، فما كان هو مشهد كفاحي لشعب فلسطين فوق أكثر ثالث بقاع الأرض إزدحاما بالسكان، أعاد رسم حدود معنى أن تقرر رفض إحتلال فحصار فظلم..مشهد لن تمحوه الأيام مهما حاول كارهي "الصحوة الوطنية الفلسطينية"..
"هبة غزة" في يوم الأرض والعودة، سجلت إبداعا للمقاومة الشعبية، مظهرا وحضورا وإنضباطا، قلما كان ذلك من أناس حاولوا قتل روح الانسان بهم، فكان الرد أن الفلسطيني يستطيع ويمكنه أن ينتصر، وانه في يوم "هبة غزة" 30 مارس 2018، قام هو بـ"كي وعي دولة الكيان"، وأعاد لمن فقد الذاكرة فيها، ومن كان معها، أن المخزون الثوري الفلسطيني لا زال فتيا وجدا، وأن "الكهولة السياسية" لم تنل منه، رغم كل ما نالته أحداث كانت كفيلة ليس بتركيعه فحسب، كما هو "حلم آل رويبضة"، بل لكسر ظهره كي لا يقوم له قائمة بعدها..
"هبة غزة"، وبعيدا عن "مطارة لصوصية المهزومين" الباحثين عن أي نقطة سوداء فيها، وكأن الأحداث الثورية الكبرى "قماش ناصع البياض"، وليت البعض منهم يعود بالذاكرة الى مسار الإنتفاضة الوطنية الكبرى 1987، عله يدرك أن مسار الفعل النضالي لا يسير "خطا مستقيما"، بل تعترضه أحيانا منعرجات حادة، لكن الأساسي هو كيف يمكن السيطرة على حركة القيادة، وأن لا تترك لعفويتها فعندها قل على "الهبة السلام"..
"هبة غزة"، فرضت فلسطين القضية والشعب وأصل الرواية من جديد، ووضعت حدا فاصلا لـ"عبده مشتاق" بنهاية رحلة كفاح شعب لتبدأ صناعة رحلة تيه جديد..ومن هنا نفتح بابا لقراءة ما للهبة وما يمكن أن يكون عليها، بعيدا عن حركة "التقدير الثوري"..
"هبة غزة" 30 مارس 2018، يمكنها أن تكون بداية لمرحلة سياسية وطنية جديدة، تعيد الإعتبار للمشهد الفلسطيني العام، الذي كان، بكل نواقصه وعيوبه، ما قبل عام 2007، بداية لأحد أكثر مراحل الحركة الوطنية، سوادا منذ الإنطلاقة الثورية المعاصرة، زمن النكبة الثالثة والإنقسام المصائبي، والذي كان "بشرة خير" لتنمية "المشروع الإستيطاني - التهويدي" في الضفة والقدس، وعزل قطاع غزة ضمن "شرنقة خاصة"، فقدت ملامحها الأساسية كجزء نابض في الحركة الوطنية الفلسطينية..
نعم، "هبة غزة"، بقليل من "التواضع السياسي" لقيادة حركة حماس، وكثيرا من "الوعي السياسي" لها، يمكنها ان تعيد الإعتبار لمضمون "وحدة العمل الوطني المشترك"، ضمن رؤية سياسية شاملة تتجسد والبرنامج الوطني وفقا لما أقرته "الشرعية الدولية"، وخاصة قرار الأمم المتحدة عام 2012 رقم 19/ 67 الخاص بالإعتراف بفلسطين دولة عضو مراقب..رؤية يمكنها أن تمثل قوة ورافعة للحركة الوطنية في مرحلة جديدة..
قيادة حماس، مطالبة قبل قيادة فتح، أن تضع آليات محددة للعمل المشترك في كل الأطر والمؤسسات، وأن تكف عن التعامل "المزاجي" في العلاقات الوطنية، تقترب بما يخدمها وتبتعد عن ما تراه ليس معها، هو زمن تعزيز "المشترك" ومنه تعزز قوة الفصيل أي كان مسماه، ولها في تجربة حركة فتح درسا سياسيا، فكلما إقتربت فتح من المشترك الوطني تعاظمت مكانتها، وكلما ابتعدت عزلة أو إنطوائية خسرت من رصيدها..
"هبة غزة"، منحت قيادة حماس بابا للعبور الكبير نحو مستقبل مختلف وبرؤية مختلفة، تعزز الوطني على حساب الذاتي، وفقط يمكنها أن تدقق لو أنها رفعت "رايتها الحزبية الخضراء" بديلا لـ"راية الوطن الفلسطيني بألوانه الأربعة"، هل سيكون ذات المشهد التاريخي مهما حشدت، فلونها سيبقى لها دون غيرها، فيما لون راية الوطن تمنح الفخر لكل إنسان..
"هبة غزة" درس سياسي قد يكون تاريخي ومفصلي في رؤية حماس لأساليب الفعل الثوري والمقاومة، وأن طاقة الشعب السلمية أقوى بكثير من كل ما لها من مخزون صاروخي، خروج عشرات آلاف بلا اي قطعة سلاح، تواجه "جبروت طاغية الإحتلال" دون رهبة أو رعب لهو الدرس الأبرز للمرحلة القادمة، ما يفرض عليها التقدم بـ"رؤية أمنية جديدة" للعمل الوطني..
"هبة غزة"، يمكنها أن تمثل إنعطافة خاصة لحركة فتح، وأن تعيد قراءة "المشهد الوطني" وفقا لحركة الفعل الغزي في يوم الأرض والعودة، بعيدا عن "غرور الماضي" وبتواضع قيادتها التاريخية التي سجلت بأحرف من نور مسار ثورة عملاقة لشعب فلسطين، تواضع فتح من أجل الثورة والقضية كان هو بابها لقيادة الحركة الوطنية، وقبل فوات الآوان، اصبحت "الصحوة الفتحاوية" شرط لـ"الديمومة" التي رافقتها، ودون ذلك فالتاريخ لا يقف عند "مجد" لا يجد من يحميه ويدفع به...تجارب التاريخ أغنى بكثير من "غطرسة" لا قيمة لها..
"هبة الغضب" بداية لرحلة كفاحية مختلفة، لو أدركت قواها ما بها من قوة وأثر كان حديث العالم أجمع، ولأول مرة لم نسمع "إدانات للشعب الفلسطيني" من أمريكا راعية الكيان، وتلك مسألة بها الكثير لتبرز قيمة "الحدث الغزي"..
ولكن "هبة غزة" يمكنها أيضا، وبذات القوة والأثر، أن تكون بابا لترسيخ مشروع المؤامرة الأمريكي "صفقة ترامب"، خلافا لما يعتقد البعض عاطفيا او لأسباب غيرها، فما حدث قد يدفع الإدارة الأمريكية، وفي ظل ممارسات السلطة حكومة ورئيسا من فرض عقوبات وعزلة سياسية على القطاع، للتسلل وتمرير مخطط "الفصل الوطني" تحت بند تحسين الحياة الإقتصادية لأهل قطاع غزة، ولم يفت ذلك بيان وزارة الخارجية الأمريكية بعد "هبة القطاع"، وإبداء "الحزن على من سقط قتيلا"، لكنها نفثت "سمها السياسي"، بالقول على "المجتمع الدولي أن يركز على الاجراءات الواجب اتخاذها لتحسين حياة الفلسطينيين، ويعمل على خطة للسلام. العنف لا يخدم أيا من هذين الهدفين".
الإستخفاف بهذا هو عمليا بداية تنفيذه..ومن يريد مواجهته لا يمكنه سوى بكسر جدار "العزلة السياسية والإنقسام الوطني"، وكل تنازل لذلك هو ربح سياسي كامل..ويبقى الإختيار بين مرحلة ومرحلة لتحديد المصير..!