أغلب الظن أن الخبثاء، من أكثر الناس كراهية لممارسات عباس وتقليعاته الكيدية؛ يريدون له المُضي قُدماً في ترتيبات الانعقاد المشوّه الموتور، للمجلس الوطني الفلسطيني، أي التمادي في انتحال تمثيل الإرادة الشعبية، من خلال اختطاف حمولة اتوبيس من بين أعضاء المجلس الذين حازوا العضوية قبل نصف القرن أو أكثر، والتقاط سبعين راكباً من على الطريق، وإلحاقهم في أتوبيس مُلحق، لشغل مقاعد راحلين الى دار الأبدية!
الخبيث، بطبعه، يريد دائماً، دفع المغرور الى أمام، لكي يصطدم أو ينزلق. وللخبيث، بحكم دهائه، له أكثر من هدف. فهو عندما يوهم المغرور بُحسن مسعاه لكي يدفعه الى الخيبة البليغة؛ يريد أن يلقن العاجزين المتخاذلين درساً، لكي يتعلموا مستقبلاً، كيف يزأرون كالأسود في وجه المغرور، ولا يموءون كالقطط الجائعة، ولكي يتعلموا أيضاً، اللغة السياسية القادرة على التوصيف البات، لانحرافات المستبد الفاسد، الذي لو امتلك جيشاً عظيماً، سيظل في دواخل نفسه، يشعر بالضآلة والانكشاف.
في جوهر التطورات، تجري الأحداث على النحو الذي يلائم الخبثاء كارهي ممارسات عباس. فهؤلاء يَطربون لمستحدثات ضلالته وأوهامه، ويسرهم أن يأمر بضرب الموالين في كل يوم على رؤوسهم، ثم إجبارهم على مبايعته، بكلمات فيها بحّة الموجوع وحَرجْ المضطر، وكذلك إجباره على تفويض من يظلمه، لزمن غير معلوم، لأداء "واجبه الوطني" وهو الإضرار بأولاده وكيانه السياسي ووئامه الاجتماعي وكرامته نفسها. فمثل هذه التقليعة القهرية، لا تخطر ببال أعتى السجانين أو المستبدين، ولا في بال عشماوي راعي المشنقة!
الخبثاء من بين الكارهين لعباس، يريدون من هذا الأخير أن يأخذ راحته وأن يتمادى، لكي يتنبه الغافلون الى بؤس حالهم، ويعرف المعارضون المتخاذلون، أي سياق صحيح يأخذون. فها هو الرجل، يلاعبهم على أرض الشرعية والمشروعية، ويشتغل لانتحال مجلس وطني ناقص التمثيل أصلاً، بهدف تكريس خياراته فيحدد من الذين يحملون راية الشرعية التمثيلية. وعندما يفعل عباس ذلك، مثلما يريد مبغضوه الخبثاء، سيرتسم مشهد يتيح للشامتين فائضاً من السخرية، عندما يصبح من بين اعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، مستأجرون أردنيون من حقل الإعلام للترويج لعباس، بمرتبات شهرية باهظة، على حساب خبز أهل فلسطين ودوائهم، بينما هم أصلاً من رواد التبشير بالتسوية القبيحة أو من رواد الدعوة الى التطبيع الأردني الإسرائيلي.
في أبسط الأمثلة، يمكن أن نأخذ تصريحاً أدلى به أحد رموز حماس، كأنموذج للكلام الذي هو، في المعنى وفي المحصلة، لا يعدو كونه مجرد كلام. فلو حاولنا استخراج ملمح لرأي مهم فيه، سيكون الملمح مقلقاً. فالرجل يدعو الى "إلغاء اجتماع المجلس الوطني المقرر عقده في 30 إبريل" ويطالب بــ "الدعوة لعقد مؤتمر وطني جامع، كبديل عن اجتماع المجلس الوطني، لمواجهة صفقة القرن التي تستثني الفلسطينيين". فمن هو الشخص الذي يدعوه صاحب التصريح لأن يُلغي؟ وباعتبار أن الشخص معلوم ضمناً، وهو نفسه الذي تجاوز الصراحة في وضع النقاط التي يريدها على الحروف التي يريدها، وتوغل في الوقاحة واستخدم لغة الأحذية في الحديث عن حماس، فهل يتخيل الداعي أن هذا الرجل سيلبي طلبه دون ضغوط داخلية وطنية فلسطينية؟ ولماذا تجهيل العنوان أو الفاعل، والاكتفاء بالمصدر، أي "الدعوة" الى "إلغاء". إن أية حركة كبيرة، جديرة بأن تقول إن اجتماعاً كهذا لاغٍ وغير ذي صفة، وسيكون واضحاً أما الشعب الفلسطيني أنه عمل من جنس الانتحال والتدليس على الإرادة الشعبية. ومن ذا الذي قال لأخينا موسى أبو مرزوق، صاحب التصريح، إننا نريد من صفقة القرن أن تشملنا ولا تستثنيا؟
مثل هذا الكلام، وبعضه في صياغات أخرى بلسان آخرين، يناشد عباس أن يلم الشمل، بينما عباس على قناعة بأن لم الشمل يعني لمّ أطراف الحبل الذي يشنقه؛ وهذا هو الذي يجعل كارهي عباس الخبثاء، راغبين في انعقاد الأوتوبيس، وفي تنصيب لجنة تنفيذية تزعم أنها مرجعية الشعب الفلسطيني، يتخللها مستأجرون تطبيعيون، يروجون لعباس من عمان، ويتاح لعزام الأحمد، معجزة القرنين العشرين والحادي والعشرين، استكمال مهماته العصية على العد ونجاحاته المبهرة، كرئيس جديد لبرلمان الشعب الفلسطيني كله. بهذه النتيجة والطريقة، حسب ما يرى الخبثاء، سيتعلم المعارضون الخافتون الدرس، لعلهم يعرفون ماذا يقولون وماذا يفعلون!