تقريبا باتت "القناعة السياسية" بان "عهد المصالحة الوطنية" في الزمن المنظور لن يرى النور، وذلك ليس رفضا لها بل إقرار بحقيقة لم يعد تجاهلها مثمر، ولعل الاعتراف بالواقع قد يفتح آفاق أخرى لدراسة اشكال متنوعة من ترسيخ علاقات في المشهد الفلسطيني.
الاعتراف بأن لا مصالحة في الزمن الراهن، هو الخطوة الأولى للبحث في اشكال مختلفة لصياغة علاقات فلسطينية – فلسطينية، ضمن قواعد "التعايش المشترك"، وإطار من العمل المستند الى أسس قبول الآخر، باعتبار أنه لا يمكن لطرف شطب طرف، ولا يمكن لطرف، أي كان اسمه وقوته، أن ينفرد بالسيطرة على الحالة الفلسطينية.
حركة فتح (م7)، فقدت كثيرا من بريقها وشعبيتها، لكنها تسيطر بقوة الأمر الواقع، على مقاليد سلطة رام الله، مستفيدة بشكل أو بآخر من الوجود الاحتلالي، الذي يشكل "حائط صد" ضد أي موجة غضب شعبية ضد سلوك حكومتها وأجهزتها ورئيسها، الذي بات متعاكسا وكثيرا مع المصلحة الوطنية العامة، ولو أتيح للتعبير العام عن الراي والغضب لما استمرت كثيرا، ولعل مسيرات "الضمان" دليلا" مصغرا على " لا شعبية" الحركة التي تحكم بقوة "انقلابية" على نتائج صندوق الانتخابات، وبدعم غير شعبي.
تيار فتح العباسي، بات ضمن الأقلية السياسية، في سياق المعادلة الوطنية العامة، وخسر جوهر تحالفاته مع القوى الرئيسية في المشهد العام، وتقوقع ضمن علاقات فصائلية بلا تأثير، وغالبا بلا جمهور، لذلك يعمل بكل السبل لعدم اكمال مسار المصالحة الوطنية، التي قد تطيح بحضوره بما يتجاوز "الهزيمة الكبرى" عام 2006.
المفارقة التي قد تبدو مثيرة سياسيا، ان حضور "تيار عباس الفتحاوي" في قطاع غزة، أكثر شعبية منه في الضفة والقدس، وخاصة في مخيماتها، كونه يحكم بسلطة أمن خاص، وبتنسيق علني مع العدو الوطني، خروجا على كل الاتفاقات التي يختبأ خلفها قيادة ذلك التيار، التي نصت على حقوق فلسطينية لم تعد حاضرة ابدا، وبالتحديد أن التنسيق الأمني مقابل ثمن يجب دفعه يتمثل في إعادة انتشار قوات الاحتلال في الضفة ومنها، كي لا تستمر خدعة أن "التنسيق جزء من اتفاق أوسلو".
وبالتأكيد، فإن حركة حماس في قطاع غزة، تسير ضمن مسار أمني مطلق في السيطرة على قطاع غزة، ويمكنها أن تمارس كل أشكال القمع والإرهاب لـ "خصومها" السياسيين، او لرافضي تحكمها الأمني على مجمل الحياة العامة، وتمارس دورا "لصوصيا" في تحصيل الضرائب، وتلعب دورا غريبا في تحكمها بالمعابر البرية، وأن مجمل تجارتها مع مصر لا تخضع لأي شكل من أشكال الرقابة، وتذهب الأرباح لخزينتها، دون ان تقدم خدمة للمواطن مقابلها...
سياسيا، حماس قبل تيار فتح العباسي، تعلم يقينا، ان "المعجزة الكبرى" عام 2006 كانت في ظروف خاصة، ولو أعيدت عشرات المرات لن يحدث ما كان "انحرافا سياسيا" في المزاج الوطني العام، ولظروف محددة.
حماس، التي تستخدم الأمن والجناح المسلح لها، لفرض "نموذج حكم بوليسي" تدرك ان المصالحة الوطنية الشاملة، ستحرمها كثيرا مما خطفته امتيازا خلال السنوات الـ 12 الماضية، رغم انها تبدو أكثر "مرونة" مع الجهود التصالحية.
ولغياب قوة فعل قادرة على فرض واقع شعبي يطيح بكلا المتسلطين، تؤسس لآلية عمل وحدوية – تصالحية، فالحديث عن "مصالحة" بات جزءا من "إضاعة زمن وطني" في فعل وهمي، ما يتطلب التفكير بمنحى مختلف في المرحلة المقبلة، ولتأسيس "آلية جديدة" لتنظيم العلاقات الداخلية، ضمن قواعد متفق عليها، بعيدا عن الشعارات الكاذبة.
كيف يمكن صياغة خلق عناصر "مهادنة وطنية" في المرحلة المقبلة، تحدد أسس العمل ضمن "سلطتي الأمر الواقع" الى حين توفر "معجزة" أسقاطهما ديمقراطيا او انتفاضيا.
أسس لـ "مهادنة وطنية" تضع محددات لكيفية الاختلاف قبل كيفية الاتفاق، فلا ضرورة لذلك، راهنا، خاصة بعد تصريحات رئيس سلطة رام الله، بأنه لا مكان لإقامة دولة فلسطينية خلال الـ 15 عاما المقبلة، ولذا وجب الاستعداد لزمن "المهادنة" بحيث لا تستمر مظاهر "التقاتل متعددة الأوجه" بين فصيلي الكارثة الكبرى...
"مهادنة وطنية" هي الممكن راهنا، الى حين ترتيب شكل سياسي من التعايش المختلف و"غير العدائي"...
ملاحظة: كما اليوم في 14 يناير 1991 رحل الشهداء الثلاثة، أبو إياد، أبو الهول وأبو محمد...اغتيال مثل عملية "خطف" لروح الثورة المتقدة "أبو إياد"...قائد من طينة خاصة حضوره يتعاظم بشكل مثير للعقل رغم الرحيل!
تنويه خاص: يشيعون أن إسرائيل تريد المساس بمحمود عباس...طيب هو مين الجدار الواقي له، هيك كلام مشكك بخدمات "أرغمان" يمكن يزعله...انتبهوا شباب بلا ما يغضب وغضبه مش منيح أبدا...وإسالوا ياسر!