ليست هناك أية إشارات سارة تتعلق بالعام الجديد، وتبشر بأنه سيكون أفضل من العام السابق، بالنسبة لأقطار الإقليم والعالم. وباعتبارنا في فلسطين، الحلقة الأضعف، فإن المصاعب الموضوعية والأزمات في المنطقة، لا بد أن تنعكس علينا، ما يوجب إصلاح عرباتنا لكي لا تذزونا الرياح وتسخر الطرقات منا. وبخصوص المنطقة، أصبح لزاماً على قادة الأمة من حولنا، أن يكونوا أكثر حذراً، لأن المعطيات والتوقعات على كل صعيد، تتطلب التهيؤ لكي يتلافى الجميع، الوقوع في مآزق أعمق!
المؤشرات الإقتصادية تعلو في اتجاه الخطوط الحمراء، ومعلوم أن مشكلات الحياة تنتج حكماً المشكلات الاجتماعية التي بدورها تنتج الاضطرابات. فما لم تؤخذ الحيطة الشديدة مسبقاً، ستكون التوقعات مقلقة، لا سيما وأن عدم إدراك المسؤولين كما في السلطتين الفلسطينيتين، لأهمية البعد الإجتماعي ــ الإقتصادي للسياسة؛ سيجعل علاج المحن والفتن صعباً للغاية إن لم يكن مستحيلاً!
واضح من خلال مؤشرات العام 2019 على المستوى العالمي، أن الديون التي أثقلت كاهل معظم دول العالم، قد جاوزت الخطوط الحمراء وزادت أحجامها عن الناتج الإجمالي لكل بلد، واضطرت الحكومات الى الإستدانة وتلبية شروط المؤسسات المالية الدولية. ولوحظ في الشهور الأخيرة من العام المنصرم، أن دولاً صناعية من الدرجة الأولى، كفرنسا وإسبانبا وإيطاليا، تعرضت لأزمات إقتصادية. وانعكس حجم الدين الأمريكي الذي بلغ 21 تريليون دولار على سياسات الولايات المتحدة، لا سيما وأن القابع في البيت الأبيض، هو رجل أعمال أولاً وأخيراً، فضلاً عن كونه رئيساً يعتمد أسلوباً فجاً حتى مع الحلفاء الكبار، أما مع "الأصدقاء" الصغار، الذين يطالبهم بدفع ما يسميه أكلاف حمايتهم!
في فرنسا شهدت شوارع المدن، انعكاسات المشكلة الإقتصادية الناجمة عن مديونية تجاوزت 3 تريليون يورو، وأثرت سلباً على السياسات الإجتماعية. ولوحظ أن ما يعمق الأزمات، هو كونها تترافق مع بطء في النمو، مع إشعال إدارة ترامب حرباً تجارية مع الصين وروسيا وأوروبا، واستخدامها العقوبات الاقتصادية بشكل فظ، يجعلها أشبه بوسيلة عسكرية.
المقلق في كل التوقعات، أن أي توتر أو انفجار لن يجد صيغة للتعاون الدولي جديرة بإخماده، لأن العلاقات الدولية نفسها، تشهد أسوأ أحوالها، لذا بدت احتمالات اشتعال أزمات جديدة قائمة وقوية في العام 2019. ولأن الأزمات الدولية تبدأ وتنتهي بالولايات المتحدة، فإن هذا العام ينذر بسخونة شديدة على صعيد السياسة الداخلية الأمريكية، ربما يصعب على نظام الدولة الكبرى أن يحتويها ويصبر عليها حتى انتهاء ولاية دونالد ترامب. فهذا الرئيس أصبح هدفاً للكونغرس، وهدفاً للممسكين بملفات ضده يمكنهم فتحها في أي وقت. فبعد أيام ستبدأ مفاعيل سيطرة الحزب الديموقراطي على مجلس النواب، وواضح أن عناد الرئيس الأمريكي سيساعد على بد العاصفة، إذ لم يسع الى حلول، واختار التصعيد، وتم إيقاف عمل الحكومة الفيدرالية وإيقاف اعتماد موازنة العام الجديد!
وأمامنا في هذا العام، الكثير من الإضطرابات واحتمالات الأزمات في العديد من بقاع الأرض: في شبه الجزيرة الكورية وبحر الصين وأمريكا الجنوبية وبخاصة في البرازيل، مرورا بمنطقتنا وأوكرنيا. ولدينا تصاعد الأحزاب اليمينية فى أوروبا، حتى بات اليسار يفتش لنفسه عن صيغة تعتمد شكلاً جديداً من الديموقراطية في إدارة الدولة، مثلما يُلاحظ الآن في فرنسا. أما الأكثر خطورة فهو عودة سباق التسلح في العالم!
الأوضاع العربية لا زالت في بداية مرحلة تضميد الجراح، مع الإحساس بالمرارة التي يشوبها بعض التأسي على زمن الديكتاتوريات السابقة، والحرص على استرضاء الديكتاتوريات الباقية، ذلك بحكم أن المعارضات العنفية أثبتت أنها أسوأ ممن عارضتهم.
في مناخ العام الجديد، الملبد بالغيوم، لا زال دونالد ترامب يتحدث عن صفقة قرن وشيكة الإطلاق والتطبيق، لتصفية القضية الفلسطينية تخت عنوان السلام. وعلى الرغم من ذلك، فإن ما يجري على الأرض، ينذر بالحرب لا بالتسوية. فعلى الأقل هذا الذي يؤكد عليه السلوك الإسرائيلي، من خلال التصعيد في سوريا ولبنان وغزة، والتأكيد تلو الآخر على عدم التزحزح قيد أنملة عن سياسة إدامة الاحتلال، وضم الأراضي، وإنكار الحقوق الفلسطينية، والتمسك بكل ما يؤسس لاستمرار الصراع جيلاً بعد جيل!