قرار حل الكنيست، وإجراء انتخابات عامة مبكرة فى التاسع من أبريل عام 2019، تقف وراءه اعتبارات متعددة من بينها ضعف الأغلبية التى تتمتع بها الحكومة فى الكنيست، بعد انسحاب «ليبرمان» وحزبه من الائتلاف الحكومى، وكذلك الأزمة التى نشبت مع الأحزاب الدينية التى ترفض مشروع قانون رئيسى يتعلق باليهود المتدينين المتطرفين الذين يرفضون الخدمة فى الجيش الإسرائيلى، أسوة بمواطنيهم من اليهود العلمانيين؛ إلا أن الدافع الأكبر والأهم وغير المصرح به وراء اتخاذ هذا القرار فيما يبدو ـ من وجهة نظر نيتانياهو ومؤيديه -فى الحكومة والحزب يتمثل فى مواجهة تباطؤ المستشار القضائى للحكومة- فى حسم هذا الأمر وتردده فى توجيه لائحة اتهام رسمية لرئيس الحكومة.
انتقد رئيس الحكومة والمتحدث الإعلامى باسمها موقف المستشار القضائى للحكومة؛ رغم أنه أحد رجال نيتانياهو والذى قام بتعيينه فى المنصب، وانصبت هذه الانتقادات حول ضعف الرجل وعدم قدرته على اتخاذ قرار بحفظ التحقيق، وترك الباب مواربا أمام احتمال محاكمة نيتانياهو، والحال أن رئيس الحكومة نيتانياهو أراد استباق مثل هذا الاحتمال بخوض انتخابات مبكرة يستطيع فيها أن يحصل على أغلبية كبيرة تضع قيوداً معنوية وأخلاقية على مثل هذه الاتهامات.
يعزز قوة قرار الحل وتأييد الليكود له، قراءة نيتانياهو للخريطة السياسية والانتخابية فى إسرائيل، حيث تمنح جميع الاستطلاعات لليكود ونيتانياهو مقاعد فى الكنيست المقبل تفوق الأحزاب الأخرى سواء اليمينية أو اليسارية، بحيث تؤهل ليكود ونيتانياهو لتشكيل الحكومة الجديدة وفق تركيبة الائتلاف السابق كما يؤكد نيتانياهو.
من ناحية أخرى فإن أحزاب اليمين لم تتمكن من تشكيل رؤية بديلة لسياسات نيتانياهو، وغير قادرة حتى الآن على اختيار قيادة موحدة لها بسبب الخلافات واختلاف المواقف، كما أن اليسار الإسرائيلى فى وضعه الحالى غير قادر على طرح بديل يحظى برضا الناخب الإسرائيلى.
على صعيد آخر فإن نيتانياهو طيلة سنوات حكمه التى فاق فيها الفترة القياسية لبقاء رئيس حكومة إسرائيلى فى منصبه، يفخر بانجازاته، والتى يأتى فى مقدمتها تخريب مسار أوسلو وحل الدولتين وتوسيع الاستيطان وإصدار قانون القومية، والحصول على اعتراف الولايات المتحدة بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، ومن ثم وضع قضية القدس واللاجئين خارج مسار التفاوض. ونتيجة لكل هذه الاعتبارات فإن نيتانياهو، يبدو فى الانتخابات المبكرة فى أبريل عام 2019 كما لو كان ينافس نفسه، حيث تخلو الساحة السياسية من منافس قوى قادر على إزاحة نيتانياهو والليكود من تصدر المشهد.
وإذا كانت هذه هى عناصر الصورة التى يحتفظ بها نيتانياهو لنفسه ومعه العديد من المواطنين الإسرائيليين، والتى دفعت به لاتخاذ القرار، فإنه قد لا يمكن الوثوق بها بشكل مطلق، فثمة من ناحية احتمال خطأ بعض هذه الاستطلاعات التى تشير إلى تفوقه وحزبه فى الانتخابات المقبلة، حيث سبق لهذه الاستطلاعات أن جانبها الصدق والصواب، بحكم طبيعة إجرائها على عينات قد لا تكون ممثلة للرأى العام، أو يصعب تعميم نتائجها على كل قطاعات الرأى العام أو قصورها عن كشف وسبر أغوار المزاج العام فى إسرائيل، من ناحية أخرى فإن تعويل نيتانياهو على خلق معادل سياسى وقوة سياسية فى هذه الانتخابات لمواجهة صدور لائحة اتهام ضده من قبل المستشار القضائى لا يمكن الركون إليها باعتبارها مفتاح تجاوز عاصفة الاتهامات.
كما أن صورة إسرائيل التى يفخر رئيس الوزراء بإنجازاته خلال مدة حكمه، لم تكن ناصعة البياض، فقد تحولت فى عهده إلى نظام «أبارتهايد» معلن وصارخ، نظام عنصرى، يتحول فيه الفلسطينيون أصحاب الأرض إلى مواطنين ناقصى الأهلية، وغرباء عن أرضهم التى يعيشون فيها واستلبت منهم بالقوة، وثمة حركة BDS وهى حركة المقاطعة الشعبية لإسرائيل، على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والأكاديمية وهى حركة ضد الاستيطان والعنصرية وتكسب المزيد من الفاعلية والمؤيدين فى العديد من الدول، وتتعثر محاولات إسرائيل لمواجهتها خاصة محاولة إصدار قانون أمريكى بحظرها، لأن ذلك يتعارض مع الدستور الأمريكى وحرية التعبير السلمى، يضاف إلى ذلك أن موقف إسرائيل من الدولة الفلسطينية يتعارض مع مواقف المجتمع الدولى وكل هيئاته الدبلوماسية والقانونية ويرشحها للمزيد من العزلة واهتزاز صورتها الأخلاقية التى حاولت رسمها طيلة هذه العقود. وفى نهاية المطاف فإن إجادة فن البقاء لدى نيتانياهو لن يكون بمقدوره اختزال عناصر الصورة المختلفة، وتحقيق الاستقرار والأمن وشطب القضية الفلسطينية، خاصة مع تآكل قدرة الردع الإسرائيلية وإنجازات المقاومة الفلسطينية، وتمسك الشعب الفلسطينى بحقوقه غير القابلة للتصرف، ومن ثم فإن فن البقاء قد يكون مخرجا لنيتانياهو وليس لإسرائيل.
الاهرام المصرية