بقدر ما كشفت الوجبة الأخيرة، من أسماء المقطوعة رواتبهم، عن الغلو في الضلال وفي عداء الناس، فقد أفصحت عن عمق أزمة عباس وحاشيته، وتبدت نزعتهم الى التوغل في إيذاء غزة ومجتمعها والنيل من سلمها الأهلي ووئامها الإجتماعي، وفتح الأبواب للفتن وللعنف، ناهيك عن كل ما ينتج في المجتمع، عن العَوز والفاقة!
دلت جُرعة السُم الأخيرة، وما رافقها من تعليلات بلسان حسين الشيخ وغيره من أردأ البشر أخلاقاً؛ على أن عباس سيظل يضرب في الشعب، حتى الوصول الى الجنون البات، الذي يستدعي الحجر عليه، استناداً الى كشف طبي، والتحضير في صمت لمن يخلفه.
عندئذٍ سيجد الفلسطينيون أنفسهم أمام شرذمة قليلة العدد، فاسدة وضحلة، أدمنت النفاق والتدليس، وظل رهانها على المحتلين. وهؤلاء المحتلون، هم الذين سيفاضلون بين أعضاء الشرذمة ويحسمون الأمر لصالح أحد أعضائها، على أن يبدأ هذا بدوره، في شيطنة الآخرين وتأثيمهم وإقصائهم، وإشعال الفتن، قبل أن يتولى الوظيفة التي ورثها من عباس، وهي الإستمرار في الإجهاز على الحركة الوطنية الفلسطيني، والتصدي لكل ظاهرة للمقاومة، وبأي شكل، وتقزيم النظام السياسي وتمثيله وتأثيره في المجتمع. فمن بين خدمات عباس للإحتلال، تضييع المؤسسات الدستورية التي يفترض أن لها الكلمة الفصل في مسألة الانتقال السلمي للمسؤوليات السياسية. لذا تراه يتعمد تجهيل حتى العصبة التي معه، في كل شيء يتعلق بمآلات الوراثة أو بآليات الفرز، أو بفك الأُحجية والإجابة عن أسئلة الفراغ: من الذي يمكن أن يأتي بعد الديكتاتور؟ وكيف سيصبح المستبد الجديد، قادراً على تكرار تجربة سيده؟ وبأية مشروعية يمكن أن يجلس في المقاطعة؟ وما هو موقف الطامحين الآخرين، وأين هو الشعب والقوى السياسية وحركة فتح من كل هذا؟!
رب سائل: ما هي علاقة هذا الموضوع بقطع أرزاق الناس؟ الجواب هو أن عباس في انفلاته يعكس واقع وحقيقة احتضار تجربته. فقد استبد به اليأس والنزَق، ولم يستطع تحقيق أي شيء، لا على صعيد بناء نظام سياسي يخدم خياراته السياسية والأمنية، ولا في محاولته إضعاف حركة حماس، ولا في المصالحة معها وفق شروطه، ولا تحقيق شيء على صعيد التسوية. وفوق ذلك كله، لم يستطع إشفاء غليله من دحلان، فظل هو الذي يتوتر ويخسر مؤيديه إن كان له مؤيدون حقيقيون، بينما دحلان يربح في كل يوم مؤيدين!
لكن هذا الرجل، تلقى العون للأسف، من مجموعة انتهازيين، تظاهروا أمامه بالموالاة وبتأييد كل سياقاته، وأوهموه أن قطاعاً من الشعب يؤيده، وفي الغرف المغلقة، تسمعهم يزعمون انهم لا يرضون عن قراراته ويسخرون منها. لكن النتائج الموضوعية التي لن يستطيعوا إخفاءها هي أنهم آثمون، ساعدوا ويساعدون على ضلالته وسهّلوا ويسهّلون قرارات الإقصاء وإيذاء الأسر الفلسطينية وتشويه صورة الحركة الوطنية الفلسطينية، وأسهموا بقوة في تعويم الإحساس بلا ضرورة المؤسسات الدستورية، وإيهامه أن شرعية النظام السياسي تبدأ وتنتهي عنده، ولم يسأل أيٌ منهم نفسه، الى من سوف تنتقل هذه الشرعية في حال موته أو عجزة، وكيف وبأية آلية وبأية حركة أو تنظيم يخوضون المنافسة الانتخابية، إن كان يصعب عليهم الاستمرار في تجاهل الإرادة الشعبية؟! وكيف ستتأسس لهم شرعية، إن تجاهلوا الشعب؟ وكيف سيؤيدهم الشعب وقد فعلوا ما فعلوا ويفعلون؟