يمثل البيان الصادر عن الإجتماع المشترك، للمكتبين السياسييْن، لفصيليْ "الجبهة الشعبية" و"الجبهة الديموقراطية" تأكيداً إضافياً على عمق الشرخ الذي أوقعه عباس في اللسان والنوايا. فهو رجل فاسد لا يستحي من إظهار سعيه أمام الموالين النظام السياسي الفلسطيني، بالتفرد والإقصاء والتجاوز عن كل الضوابط، والاستنكاف عن أي عمل يعزز بشكل عملي صدقية الكلام النظري عن رفض ما يسمى صفقة القرن ومقاطعة الإدارة الأمريكية. فقد لاحظ بيان الفصيلين، أن كل ما تنم عنه سياسات "القيادة الرسمية لمنظمة التحرير" حسب وصف البيان لعباس، من التفرد والإستفراد، وتحويل أموال الشعب الفلسطيني إلى أداة فاسدة في إدارة الشأن العام، ولتصفية الخلافات مع القوى والأطراف السياسية، ولممارسة الضغوط على كافة الأطياف، قد أوصل الفلسطينيي الى حال التشرذم والإنقسام.
فصيلا "الشعبية" و"الدموقراطية" تحملا الكثير من عباس وظلا يصبران عليه، وكان العتب عليهما أنهما يمتلكان الرؤية ولديهما مسطرة القياس النظري لظاهرة الإنحراف والفتك بمؤسسات الشعب الفلسطيني. فقد أظهر عباس ذلك مبكراً، وانت توجهاته واضحة، فهو لا يطيق الشراكة ولا المساءلة ولا القانون ولا الوثيقة الدستورية ولا المقاومة ولا السلاح. وليته يفعل هذا كله، على طريقة ذوي الميول اليمينية، الذين اتسموا بالأمانة والعصامية في قضايا المال والإدارة وعلى مستوى صدق والمعارضين، الى المزيد من إثراء عائلته، ويتحدث عن قطع العلاقة مع أمريكا، دون قطعها مع وكالة استخباراتها. فقد جعل الفهلوة والكذب أموراً معتاده يتقبلها موالوه ويتجاوزن عنها. وبصراحة كان الصمت الطويل عليه، من قبل فصائل منظمة التحرير، سبباً في ازدياد تجرؤه، حتى أصبح من موقعه الغارق في كل أنواع الانحراف الوطني والمهانة، يتهم الآخرين بالجوسسة!
اليوم يدعوه فصيلا الجبهتين الى الكف عن تعطيل قرارات المجلسين المركزي والوطني لإعادة تحديد العلاقة مع دولة الإحتلال، وطي صفحة أوسلو، والتحرر من قيوده، والعودة إلى البرنامج الوطني لمنظمة التحرير الإئتلافية، أي برنامج العودة وتقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس. كذلك يدعوه فصيلا "الشعبية" والديموقراطية" الى الإقلاع عن سياسة تعميق الإنقسام، وتعطيل قرارات دورات المجالس المركزية والوطنية "بما في ذلك وقف التنسيق الأمني مع الإحتلال الإسرائيلي، الذي يعيق نهوض مقاومة شعبنا بكل أشكالها، وانتفاضته، ويعمق حالة الخلاف داخل م.ت.ف وبين فصائلها الوطنية"!
كلام جميل ويستحق الإحترام، لكن السؤال هل يمكن البناء على هذا البيان، لتطوير الموقف الفصائلي الوطني، ومأسسة هذه التوجهات على الأرض، لكي تتشكل جبهة إسقاط النهج الضال، من خلال استكمال الإجماع الشعبي عليه، ومخاطبة المؤسسات الإقليمية والدولية، أم سنظل نتحدث عن "القيادة الرسمية" ونعدد جوانب انحرافها، علماً بأنها تتلخص في شخص الفرد، الذي دمر مؤسسات السلطة والمنظمة، وأقصى الجميع، ويستخدم مجموعة من العناصر للحفاظ على نهجه؟
إن قوى اليسار الفلسطيني مدعوّة الى جمع فصائلها وأحزابها، للمشاركة مع الطيف الوطني كله، في مناهضة نهج التفرد ومحاولة إذلال الناس، وتكريس الذل في مواجهة الإحتلال، واحتقار المؤسسات والقرصنة على التمثيل الوطني، حتى إسقاطه ومحاسبة الضالعين فيه والفاسدين الذين ترعروا في ثناياه. فما هو معروف اليوم، لا يُقاس بما سيتكشف ويُعرف غداً، وعندئذٍ سيتضاعف حجم مسؤولية القوى السياسية عن كل الذي أصاب النظام الوطني. فالأحداث تجري والتاريخ يسجل!