في استباق لنتائج التحقيق، لمعرفة الجهة التي أدخلت متفجرة "الحمد الله" الى معادلة العلاقات الفلسطينية الداخلية، وهي المعقدة أصلاً؛ اتجهت الأمور في فسطاط عباس، الى التصعيد، والى حديث البعض المعتوه الذي لا يعرف مغبة ما يفعل؛ عن المزيد من العقوبات ضد غزة. وقد استُخدمت في طرح هذا المنطق، عبارة أن المتفجرة لن تمر مرور الكرام. أما الذي يمر مرور الكرام عندهم، فهو إقصاء الناس وتجويعها والحاق الظلم بأبرياء وقتل الناس بحرمانهم من الطبابة ومن المشافي المجهزة، وما يمر مرور الكرام، هو التحريض على استمرار الحصار والتنسيق الأمني مع العدو وإهانه الناس واتهامهم وتخليق الأفلام الهندية.
مثلما ينبغي ألا تمر أية سفالة مرور الكرام، والمتفجرة من كبائر السفالات لا من صغائرها؛ كان يتعين على الفسطاط العباسي أن يتريث لحين استكمال التحقيق. ولو كان الحمد الله وفرج، معنييْن بالحقيقة، لأرسلا وهما في غزة، يطلبان احتياجاتهما الشخصية، لكي يبقيا في المكان، يشرفان على التحقيق، لأن غزة جزء من وطن الفلسطينيين، وفيها تأسست السلطة، وفيها موالون وموظفون تابعون للحكومة وللأجهزة، وفيها شركاء في مشروع مصالحة رفُعت أيديهم متشابكة مع أيدي فرج والحمد الله في لقطات احتفالية. ثم إن غزة احتضنت في تاريخها قامات وطنية من كل أنحاء فلسطين، أقامت وعاشت فيها، أين منها فرج والحمد الله، فقاعتا المصادفات العباسية، في أردأ الأزمان الفلسطينية. لكن التصرف الذي حدث، وهو المغادرة على الفور، كان بهدف ترميز قطاع غزة، مرة أخرى، باعتباره أرض الشر، وأن هذا القطاع الجغرافي هو المعادل الموضوعي للمتفجرة، وأن المتفجرة هي بقايا أنفاس غزية، ينبغي الإجهاز عليها واستكمال الخنق!
لم تتصرف الفُقاعتان، كما يتصرف إبن الوطن الذي يرى في كل بقعه من أرض بلاده، أرضه التي تظللها سماؤه، إذ استل الزائران نقسيهما من غزة في غضون ساعة، لكي يبدأ التعاطي مع الحادثة باعتبارها تخص كياناً آخر وأرضاً أخرى معادية. بينما الوسطاء المصريون لا يفعلون ذلك، ويقيمون في غزة لأسابيع.
هنا نضع أيدينا عن أصل الشر ومنبعه، ولا تغيب عن أذهاننا أهمية المقارنة: فإن كان هؤلاء لا يطيقون الإقامة في غزة، لأن حماس تحكم أو تسيطر أمنياً حتى ولو كانت استعدت لحراستهم؛ فلماذا يطيقون الحياة في رام الله، التي يسيطر عليها المحتلون الصهاينة أمنياً، ولماذا يستمتعون في رام الله بالمرور عبر الحواجز، ويصدرون قراراتهم ضد الناس آمنين على أنفسهم، مطمئنين الى أقوياء في خندقهم؟ وإن كان هؤلاء في دواخلهم، يأمنون على أنفسهم من الاحتلال، أكثر بكثير مما يأمنون في غزة؛ فلماذا أصلاً يلعبون لعبة الذاهبين الى مشروع مصالحة؟!
لن نتردد في القول، إن مؤشرات التحليل بمفردات السياسة، ودونما أية علاقة لهذه المؤشرات بوقائع التحقيق الفني والأمني في لغز المتفجرة؛ إن العمل التفجيري الخسيس لا يخدم إلا السياسات الخسيسة حيال غزة، ويوفر غطاءً لما مضى منها ولما هو آتٍ. وأياً كانت النتائج حتى لو أن العالم كله قد جاء للمشاركة في التحقيق؛ ستظل تقديرات السياسة على قناعة بأن حماس لم تفعلها، ولو ثبت أن طرفاً من حماس قد فعلها، فلنفتش عن العدو وعن مؤسسة ما يُسمى "التنسيق الأمني". فلا يضحكن على ذقوننا مبتدئون في السياسة، وعلى من يزعم أنه يثق في نفسه، أن يتقدم بشجاعة للمشاركة في التحقيق من خلال توفير كل مستلزماته!