ما لم تُفتح سجلات المكالمات المخبوئة، وثنايا السيلكون، في شركة "الوطنية موبايل" العباسية، لكي يُقام الدليل على مصدر "تفجير القرن" قرب معبر بيت حانون؛ سيظل رامي الحمد الله أشجع من جمال عبد الناصر، الذي أًطلقت عليه رصاصات أخطأته، في ميدان المنشية في الاسكندرية يوم 26 أكتوبر 1954 . فقد انفعل الرجل لحظة الإطلاق عن بُعد، من المسدس الصغير وتوتر بعدها، بينما الحمد الله لم يتوتر من انفجار استهدفه عن قرب وتبدى عليه الروقان بعده، وهو يفتتح محطة تنقية!
عبد الناصر صرخ يومها في الناس، بأن يبقى كلٌ في مكانه، وختم خطابه مشوباً بالتوتر، ثم أكمل برنامج يومه، بالتوجه الى مقر نقابة المحامين لحضور فعالية لهم، ولم يكن له، وهو العسكري الذي خاض حروباً، روقان رامي حمد الله، الذي لم يخض في شيء سوى الكيديات!
شجاعة عبد الناصر يومها، كان فيها بعض الارتجاف، وعلى الرغم من ذلك، بُنيت عليها فرضية التلفيق من فسطاط "الإخوان" واعتُمدت كرواية تمثيلية في المنشية، وأدرجت في ثقافة الجماعة باعتبارها فيلماً هندياً، رغم الاعتراف التفصيلي، بلسان المتهم الأول في المحكمة. وبعد مرور أكثر من نصف القرن، اعترف المتهم الثالث في محاولة الاغتيال، خليفة مصطفى عطوة، بأن الهجوم كان حقيقياً، وقال يكفي أننا ظللنا طوال السنين نكذب على أنفسنا وعلى ربنا، وأفاد أن جمال عبد الناصر قرر تخفيف حكم الإعدام عليه وعلى زميليه المتهمين الثاني والرابع لأنها طلاب وصغار السن!
فما هو اللغز يا تُرى؟!
بعض الخائضين في الموضوع، من الموالين لقيادة السلطة، يقولون، وهل يفجّر أحدٌ عبوه ضد نفسه إلا أن يكون منتحراً. وفي هذا المنطق وجاهة من حيث المبدأ، ما لم تكن الأمور واضحة للحمد الله، قبل التحرك الى معبر بيت حانون، ومشروحة على الرسم وبالإحداثيات الدالة على انعدام الخطر.
الآن، يتطلب التحقيق التحفظ على سجل مكالمات أرقام محددة. فإن مُحيت يتوجب التحقيق في سبب محوها، وإن عُرضت سينكشف سياق الجريمة، وإن امتنعت الشركة العباسية عن التعاون، يكون في الأمر أمر. وإن تهرّب الحمد الله، باعتباره وزير الداخلية من تشكيل لجنة تحقيق وطنية بوجود أطرف حيادية مختصة، عندئذٍ سيكون الحمد الله معنياً بالعمل الحقير ويعرف أسبابه ومدبريه، وستكون هناك أسئلة كثيرة، على المستوى الفني للتحقيق، وصولاً الى استخلاصات السياسة!
في الوقت نفسه، يتوجب التنويه الى أن الأمر لم يُحسم بعد، لكي نجزم بأن ما هو مخبوء في أحشاء "الوطنية موبايل" من شأنه أن يحدد الجهة التي دبرت العمل الحقير. لكن المشهد كله، على المستوى الوطني العام، ليس فيه غموض. فعباس العجوز لا يستحي، ولا ذرة من الضمير عنده. فهو قرر على الفور ايقاع المزيد من الأذى في غزة، ولا نستبعد عمنه أي شيء على أي صعيد. إنه بلاء وعاهة مضنية سلطها الله علينا كسوط عذاب، ولا نعلم ماذا فعلنا في حياتنا، وماذا قصرنا وعن ماذا لم نستغفر إن كنا أذنبنا. لقد أصبحت كل خياراته وسياقاته، مجنونة تشبه خيارات اللصوص عندما يختتمون السطو بإحراق المكان. والموالون له باتوا مُحرجين، يتمنون منه مأثرة بلا فحوى، أو لفظاً كريماً لكي يحفظوا ماء وجوههم. لقد أجهز عباس سياسياً على جيلين فلسطينيين من حركة فتح بعد جيله، ودق على ظهر كل منهما ختم عدم الصلاحية وفساد المواد المُصبّرة، وربما يكون آخر ما يُرى من هذين الجيلين، رقصٌ هستيري لعباس في همروجة المجلس الوطني الملفق، في نهاية إبريل، وبعدئذٍ وقاحة لم تكن تقبلها على نفسها روابط القرى!
وأغلب الظن، وهذا افتراض كريه، أن تتوصل حماس الى نتائج، ثم تبيعها للجاني، تحت عناوين من شاكلة، أن القضية وأصحابها يمرون في منعطف خطير، على نحو ما جرت العادة في مداراة الرزايا!